في ختام أشغال المؤتمر الدولي “الإيمان في عالم متغير”، دعا المؤتمرون، أمس الأربعاء بالرباط، إلى تأسيس هيئة إنسانية إيمانية رائدة تحت مسمى “المرصد الدولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات”، منوهين بالجهود التي تبذلها المملكة للإسهام في توحيد الشعوب وتعزيز التقارب بين مكوناتها، انطلاقا من دورها التاريخي في كيانها العربي والإسلامي والإنساني.
“وثيقة الرباط: الإيمان في عالم متغير”، التي تمخضت عن أشغال هذا المؤتمر المنُظم على مدى يومين، أكدت أن هذا المرصد سيهتم بـ”ترسيخ مبادئ الإيمان وتعزيز قيمها الأخلاقية، مع رصد الشبهات المثارة والأجندات المشبوهة للفوضى التحررية، والعدمية الإلحادية، والعبثية المجتمعية من خلال كتابات مستوعبة، وندوات متخصصة، يُستكتب لها ذوو التميز والإجادة”.
وأبرزت الوثيقة، التي تلاها الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر، أن الهيئة ستوظف الوسائل الرقمية والإعلامية الحديثة لإنجاح أهدافها وإيصال رسالتها، وسيُنشر عن أعمالها ومنجزاتها تقرير سنوي باللغتين العربية والإنجليزية، مشيرا إلى أنها ستشكل “مرجع اهتداء فكري، ومَعْلَم إرشاد إيماني، تُساعد الإنسان على التعامل الأقوم مع المستجدات المتسارعة والمتغيرات الكبرى في وطنه وعالمه”.
وفي خضم التغيرات المتسارعة التي ترخي بظلالها على العالم، أبرزت “وثيقة الرباط: الايمان في عالم متغير”، مركزية الدين في قيام الحضارات وازدهارها، وقدرته على مواجهة المشكلات ومعالجتها، والتشديد على حفظ كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته المشروعة، والاعتراف به وجودا وحضارة، أيا كانت هويته الدينية والوطنية والإثنية.
وأوضحت الوثيقة، أن تعزيز التعاون بين المكونات الدينية المختلفة، واستثمار مشتركاتها المتعددة يشكل المسار الأنجح لصياغة الأطر الفكرية الرشيدة للتحصين من مخاطر السلوك المتطرف، وتحييد خطاب الكراهية، وتفكيك نظريات الصراع والصدام.
كما دعت هذه الوثيقة إلى إرساء الأخوة الإنسانية بإقامة المشاريع الإغاثية والتنموية حول العالم، والتزام المنهجية العلمية الرصينة في تفسير النصوص، وتعزيز العلاقة بين الدين والعلم، والحوار بين الأديان والثقافات باعتباره قيمة عليا تساهم في بناء جسور التواصل بين الشعوب.
من جهة أخرى، سجلت الوثيقة الدور المهم للتقدم العلمي والذكاء الاصطناعي في تشكيل الفكر والوعي، ودوره في رسم معظم ملامح المستقبل المادي والمعرفي للأجيال القادمة، مبرزة أن التضامن بين الشعوب هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى، كالتغير المناخي وهدر الموارد وشحها.
واعتبرت “وثيقة الرباط”، أن المرأة تعتبر “مصدر نور وإشعاع حضاري”، ولها الحظ الأكبر في غرس ثوابت الدين ومكارم الخلق الحميد، داعية إلى حراسة دورها الرئيس في الأسرة ورعايتها، وتربية الناشئة والعناية بها، وترسيخ التآلف والانسجام بينها، وتحصين الأجيال الصاعدة.
كما دعا المشاركون في هذا المحفل العلمي جميع الجهات العلمية والشخصيات المجتمعية والمؤسسات الوطنية إلى دعم “وثيقة الرباط: الايمان في عالم متغير”، وتأييدها، متعهدين أيضا بتعزيز مضامين هذه الوثيقة في صروحهم العلمية ومنابرهم الإعلامية ومجتمعاتهم الوطنية، بما يتماشى مع الأنظمة السارية والقوانين الدولية.
و تطرق المؤتمرون، لمواضيع، وقضايا مفصلية ذات صلة وثيقة بموضوع الايمان، حيث عرف اليوم الأول، تنظيم جلستين علميتين ناقشتا محوري “الإلحاد في السياق المعاصر.. عرض ونقد” و”الإيمان في ضوء التكنولوجيا المعاصرة.. الرهانات والتحديات”، كما شهد اليوم الختامي تنظيم ثلاث جلسات علمية، تطرق خلالها المشاركون لثلاثة محاور، تتمثل في “الطفرة الرقمية وظهور المؤثرين الجدد في التدين”، و”مكانة النظريات الفلسفية والمعرفية في تشكيل المفاهيم والتاريخ والحضارة”، ثم “البناء الإيماني.. الواقع والاستشراف”.
تجدر الإشارة الى تنظيم هذا المؤتمر الدولي، “الإيمان في عالم متغير”، الذي نظمته الرابطة المحمدية للعلماء بشراكة مع رابطة العالم الإسلامي، يندرج في إطار الاهتمام بالمتغيرات المستجدة في القضايا المعاصرة، التي تتطلب استجلاء أفضل السبل الممكنة لتهيئة المناخ الملائم لبث الإيمان وتجديده في النفوس.