منذ آلاف السنين كان البشر يعتمدون في تنقلاتهم وترحالهم على الذاكرة المكانية، وكانوا يهتدون بالنجوم وعلم الفلك في ترحالهم بين الأقطار المختلفة، ومع التطورات العلمية المذهلة والثورات الصناعية، ظهرت الأقمار الصناعية، وتبعها نظام تحديد المواقع المعروف بـ”نظام التموضع العالمي” (GPS).
واختار مئات الملايين من البشر حول العالم استخدام الـ”جي بي إس” لبلوغ وجهتهم، ما أسهَم في ضعف الذاكرة المكانية والتدهور المعرفي، وفق دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة “ماكماستر” الكندية.
تشير الدراسة التي نشرتها دورية “بلوس وان” (PLOS ONE) إلى أن “أسلافنا القدماء كانوا يعتمدون منذ آلاف السنين في رحلات الصيد والتنقل على تحفيز أجزاء من الدماغ للوصول إلى وجهتهم، ومع ظهور وسائل الراحة المتاحة حاليًّا في مجالات التنقل، وتصميم تطبيقات مثل نظام تحديد المواقع “جي بي إس”، فقدت الحياة التحديات المعرفية والجسدية التي يحتاج إليها الدماغ من أجل النمو، وتم تثبيط أجزاء من المخ كانت محفَّزةً بشكل دائم في السفر والتنقل في العصور القديمة”.
وأوضحت الدراسة أن “ممارسة رياضة التوجيه وبعض المهارات الملاحية قد تمنح الشخص ذاكرةً أكثر كفاءةً في مراحل متقدمة من العمر”.
ورياضة التوجيه هي “نشاط بدني يعتمد على الجري في أماكن فيها هضاب ومنخفضات مع الاستعانة ببوصلة يحملها الشخص لتعيين الاتجاهات، إضافةً إلى خريطة تساعد الشخص على الوصول إلى وجهته في أقصر فترة زمنية ممكنة دون ارتكاب أخطاء؛ إذ يجب على المتبارين إتقان قراءة الخرائط ليضمنوا حسن التوجه، والدقة، وتحديد الغاية، وتقدير المسافات وفك الرموز”.
وضمت عينة البحث التي شملتهم الدراسة 158 من البالغين الأصحاء لديهم مستويات مختلفة من الخبرة في مجال رياضة التوجيه وتتراوح أعمارهم بين 18 و87 عامًا، مقارنةً بمجموعة ضابطة تتمتع بنشاط بدني وخبرة قليلة -أو معدومة- فيما يخص رياضة التوجيه.
وبغض النظر عن أعمارهم، تمتع الأشخاص الذين يمارسون رياضة التوجيه بذاكرة مكانية أفضل مقارنةً بالمجموعة الأخرى، مما يشير إلى أن المشاركة في رياضة التوجيه قد تساعد في الحد من التدهور المعرفي؛ إذ أظهر الأشخاص الذين يعتمدون على الذاكرة والتوجيه في التنقل المكاني كفاءةً أكبر في “الذاكرة” مقارنةً بغيرهم الذين يعتمدون على نظام تحديد المواقع، ما يوضح أن “التدريبات المنتظمة والنشاط البدني قد يكون مفيدًا في وقف التدهور المعرفي ومكافحة ضعف الذاكرة المكانية”.
طُلب من المشاركين في الدراسة العَدْو بأسرع ما يمكن في منطقة غير مألوفة، باستخدام البوصلة والخريطة فقط، واتخاذ قرارات سريعة في أثناء التنقل بين تلك التضاريس غير المألوفة.
وانتهى الباحثون إلى “ضرورة الحد من استخدام نظام تحديد المواقع، والاستعانة بدلًا منه بالخرائط في أثناء التنقل من أجل تقوية الذاكرة المكانية ولكي يتحدى الإنسان نفسه، واستخدام مسارات جديدة للسير أو الجري وركوب الدراجة؛ لأن مثل هذه التدريبات يمكن أن تُسهم في مكافحة الخرف”.