عند ولادته قبل الأوان ذات يوم ربيعي من سنة 1980، لم يبك لحبيب المومو كما يفعل الولدان ولم يصرخ.. كان أشبه بجسد بلا روح، فنبضات قلبه فقط هي من دلت على أنه على قيد الحياة!
أيام قليلة بعد الولادة شخص الأطباء علته.. إنه شلل دماغي دفع بالمختصين إلى الحكم بما يقول العلم في مثل هذه الحالات.. ” يعاني المولود الجديد من اضطراب حركي حاد، مع تقييد شديد للاستقلالية ولإمكانيات الإدراك والتعبير”.
كتمت الأم الشابة حزنها وقررت بقلب مطمئن بالإيمان أن تصطبر وتقبل بقدرها وقدر رضيعها، لكنها رفضت الخضوع لقدرية التشخيص الطبي، وترجم هذا الرفض بإعطاء وليدها اسما ينم عما يخالجها من مشاعر تجاهه.. “لحبيب”!
استشار الأبوان أطباء مختلفين، وقاما بتجريب علاجات عدة، وحقن وجلسات علاج طبيعي لا حصر لها، مستند ين في ذلك كله على التضرع إلى الله تعالى أن يحدث معجزة.
وفي سن الخامسة أو السادسة، فاجأ لحبيب من حوله بأول كلمات ينطقها، وإن بشق النفس.. ”الآذان“. يمسك لحبيب ذراع رفع ستارة النافذة بيده المرتجفة كما لو كان يحمل ميكروفونا، ويظل يؤذن طوال اليوم: “الله أكبر، الله أكبر…”.
لعل الجمال والأمن ينضحان من تقلبات القدر ونوائبه.. وجدت أم لحبيب في تصرفات ملاكها الصغير بصيص أمل، فقررت أن تأخذه كل يوم إلى كتاب الحي.. المسيد حيث يعكف الصغار على حفظ القرآن وتعلم قواعد تجويده.
كان لحبيب يقضي يومه كله في المسيد، حيث يشعر بارتياح وسعادة إلى جانب رفقائه الصغار. وعلى أية حال، فإن الظروف في ذلك الوقت لم تكن تسمح بالتسجيل في مدرسة عادية أو في الأقسام المخصصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
استمر الطفل دي الإعاقة في التردد على المسجد، حيث يشرف فقيهان على عملية حفظ سور القرآن الكريم بالطريقة التقليدية، وذلك باستعمال اللوح الخشبي والتلاوة الجماعية.
لقد كذب واقع لحبيب توقعات الأطباء. صار هذا الطفل، ورغم حالته الصحية والجسدية، يسبح في فسحة القرآن الكريم، مستمدا القوة من إيمانه وتصميمه ومن رحلته غير العادية نحو المعرفة والتعلق بكتاب الله.
ومع توالي السنين، أصبح لحبيب يحفظ جزءا كبيرا من القرآن الكريم، وصار يشارك، جنبا إلى جنب مع أقرانه العاديين، في المسابقات والفعاليات التي تحتفي بحملة القرآن الكريم، إلى أن جاءت سنة 2012 التي ستشكل نقطة تحول رئيسية بالنسبة لهذا الشاب.
كانت نقطة التحول عندما دعي لحبيب للمشاركة في مسابقة دينية خارج المغرب، حيث طلبت منه لجنة المسابقة أن يستظهر جزءا من القرآن الكريم يبدأ من الآية: “وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها“، لكن الشاب نبه اللجنة إلى أن هذه الآية وردت مرتين في القرآن: الآية 18 من سورة النحل والآية 34 من سورة إبراهيم.
هنا فوجئ أعضاء اللجنة والجمهور الحاضر بأن لحبيب لا يحفظ القرآن الكريم بأكمله فحسب، بل إنه يتذكر أدق التفاصيل، من ترقيم الآيات وتكرارها وأرقام الصفحات التي تظهر فيها.
بعد ذلك توالت مشاركات هذا الشاب الفذ في مسابقات بالمغرب وخارجه، وأصبحت وسائل الإعلام والقنوات التلفزية تستدعيه لبرامجها، ل ما رأت فيه من نبوغ، بل معجزة ربانية تدل على قوة العقل البشري.
ودون كلل أو ملل، دأب لحبيب كل يوم بعد صلاة الفجر على مراجعة خمسة أحزاب من القرآن الكريم، حيث يقوي ذاكرته، ويرسخ حفظه ويغوص في معاني القرآن ودلالاته ومعانيه.
”أجد في القرآن ملجأ ومرشدا ومصدر قوة وراحة لا ينضب“، يقول لحبيب بلسان متعثر يب ين بعض الكلمات ويضغم بعضها، لولا وجود والده الذي يترجم ما استغلق من كلامه.
ويضيف: “القرآن الكريم هو منارة وجودي.. هو بوصلتي التي اهتدي بها، فقد دلني على الطريق وحررني من أغلال الإعاقة لأجد الحرية المطلقة في فضاءاته الرحبة”.
يقول لحبيب إنه فخور بشكل خاص بكونه من حملة القرآن الكريم في مملكة المغرب الشريفة، أرض الإسلام المباركة حيث يولي أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس عنايته السامية لحفظة كتاب الله.
صحيح أن حالة لحبيب الصحية لم تتحسن كثيرا منذ ولادته، إذ لا تزال إعاقته الحركية مستمرة، إلا أنه يؤكد أن الله قد أنعم عليه بنعم كثيرة لا يمكنه حصرها.”وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها“، يقول والابتسامة لا تفارق محياه.
لحبيب المومو هو مثال بالغ للصمود ولجمال النفس البشرية. يعلمنا هذا الشخص “المحبوب” أنه لا شيء مستحيل عندما يكون الحب والإيمان دليلنا ومنارة دربنا.
بتصرف عن (ومع)