ثــــقـة تــيـفي
اكتشف عمل ميداني أثري في المغرب، أقدم مجتمع زراعي، من فترة غير مفهومة بشكل جيد من عصور ما قبل التاريخ في شمال غرب إفريقيا.
وتكشف الدراسة، التي نشرت يوم الاثنين 23 شتنبر في مجلة “العصور القديمة”، لأول مرة عن أهمية المغرب في ظهور مجتمعات معقدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع.
يقدم فريق البحث المغربي البريطاني الإيطالي، النتائج الأولى للتحقيقات في “واد بـهـت” نواحي الخميسات، حيث كشفوا عن مجتمع زراعي غير معروف حتى الآن يعود تاريخه إلى 3400-2900 قبل الميلاد.
وبالنسبة لهؤلاء الباحثين، حاليا هذا هو أقدم وأكبر مجمع زراعي في أفريقيا وراء ممر النيل.
مع بيئة البحر الأبيض المتوسط والحدود مع الصحراء الكبرى وأقصر معبر بحري بين أفريقيا وأوروبا، يتمتع المغرب بموقع مثالي كمركز للتطورات الثقافية الكبرى والروابط العابرة للقارات في الماضي.
في حين أن أهمية المنطقة خلال العصر الحجري القديم والعصر الحديدي والفترات الإسلامية معروفة جيدا، إلا أن هناك فجوة كبيرة في المعرفة بعلم الآثار في المغرب بين 4000 و1000 قبل الميلاد، وهي فترة من التغيير الديناميكي عبر معظم أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وفقا لبيان صادر عن جامعة كامبريدج.
في محاولة لمعالجة هذه الفجوة المعرفية، قاد فريق “سيبريان برودبانك” من كامبريدج، “جوليو لوكاريني” من معهد علوم التراث في المجلس الوطني للبحوث في إيطاليا؛ ويوسف بوكبوت من المعهد الوطني المغربي للآثار والتراث، بعمل ميداني أثري تعاوني متعددة التخصصات في “واد بـهـت”.
وتقول مقدمة الدراسة، إن 19626 اكـتـشـافا من 16258 قطعـة فـخارية و2947 قطعة حجرية متكسرة و50 فـأسا و371 من الماكروليث، خلال الحفريات المستهدفة بين 2021-2022، تبرز الأدلة الأكثر موثوقية للزراعة في المنطقة منذ ما يقرب من ألفي عام على جانبي فلورويت في أواخر الألفية الرابعة.
تشير جميع هذه الأدلة إلى وجود مستوطنة زراعية واسعة النطاق – مماثلة في الحجم لطروادة في العصر البرونزي المبكر.
واستعاد الفريق بقايا نباتات مستأنسة غير مسبوقة، وفخار وحجريات، وكلها تعود إلى العصر الحجري الحديث الأخير. وكشفت الحفريات أيضا عن أدلة واسعة على حفر التخزين العميق.
والأهم من ذلك، تم العثور على مواقع معاصرة ذات حفر مماثلة على الجانب الآخر من مضيق جبل طارق في أيبيريا، حيث أشارت اكتشافات العاج وبيض النعام منذ فترة طويلة إلى الروابط الأفريقية.
ويشير هذا إلى أن المغرب كان له دور فعال في التطورات الأوسع في غرب البحر الأبيض المتوسط خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد. ومن الواضح أن “واد بــهـت” وشمال غرب المغرب كانا جزءا لا يتجزأ من منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع.
على هذا النحو، “فإن هذه الاكتشافات تغير بشكل كبير فهمنا لعصور ما قبل التاريخ اللاحقة للبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا”، تقول الدراسة.
وقال الباحث يوسف بوكبوت الذي كان أول من بدأ التحقيق الأثري منذ عام 2005، إنه “مقتنع بأن علم آثار البحر الأبيض المتوسط كان يفتقد شيئا أساسيا في أواخر عصور ما قبل التاريخ في شمال إفريقيا” لأكثر من 30 عاما.
وأضاف الآن: “نحن نعلم أن هذا كان صحيحا، ويمكننا أن نبدأ في التفكير بطرق جديدة تعترف بالمساهمة الديناميكية للأفارقة في ظهور وتفاعلات مجتمعات البحر الأبيض المتوسط المبكرة”.
كما يقول الباحثون، “من الأهمية بمكان النظر إلى “واد بـهـت” ضمن إطار أوسع متطور ومتصل يحتضن الشعوب على جانبي بوابة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي خلال الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد (على الرغم من احتمال الحركة في كلا الاتجاهين)، الاعتراف بها كمجتمع أفريقي مميز ساهم بشكل كبير في تشكيل هذا العالم الاجتماعي”.
ويؤكد “واد بـهـت” الآن، على الدور المركزي للمغرب الكبير في ظهور مجتمعات البحر الأبيض المتوسط والمجتمعات الأفريقية الأوسع”.
وخلص البحث الممول بتعاون بريطاني وإيطالي، إلى التفسير وافتراض أن “واد بـهـت” كان قرية كبيرة من العصر الحجري الحديث النهائي.
وشهدت تلك المنطقة، تطور تركيز كبير للنشاط واستثمار العمالة والموارد عبر مساحة لا تقل عن 9-10 هكتارات، مع التركيز على الجزء الشمالي من التلال.
وقد يشير حجم منطقة “واد بـهـت”، ووفرة أحجار الطحن وسعة التخزين المحتملة لحفر الموقع، إلى أنه كان مكتظا بالسكان. ومثل هذا المجتمع سيكون غير مسبوق في المغرب العربي، وفي الواقع في أي مكان في أفريقيا.