لم يكن دونالد ترامب أول رئيس أمريكي يطلب من مصر إعادة توطين الفلسطينيين على أراضيها. فقبل أكثر من 4 عقود، قدمت إدارة رونالد ريغان نفس الطلب إلى حسني مبارك، الرئيس المصري الراحل.
وافق مبارك على الاقتراح، كما كشفت وثائق بريطانية. والتي تؤكد أن مبارك أبلغ الولايات المتحدة بأن قبوله مشروط بتسوية أوسع للصراع في الشرق الأوسط.
في فبراير 1983، ناقش مبارك القضية مع رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر خلال زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن حيث التقى ريغان.
وأظهر مكتب الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة (FCDO) أنه قبل محادثاتهما العامة الرسمية، طلب مبارك مقابلة تاتشر دون حضور أي شخص آخر.
وأثناء هذا الاجتماع الثنائي، الذي استمر45 دقيقة، ناقش مبارك بالتفصيل بعض القضايا التي “كررها في نماذج موجزة خلال المحادثات الكاملة”، حسبما قال السكرتير الخاص لتاتشر في مذكرة.
جاءت زيارات مبارك إلى واشنطن ولندن بعد 8 أشهر من غزو إسرائيل للبنان في يونيو 1982، بدعوى أن عمليتها العسكرية ضد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية هي رد على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي لدى بريطانيا، شلومو أرغوف.
ثم احتل الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان بعد هجمات واسعة النطاق على المقاتلين الفلسطينيين والجيش السوري والمنظمات الإسلامية المسلحة في البلاد.
في بداية الاحتلال حاصر الإسرائيليون منظمة التحرير الفلسطينية وبعض وحدات الجيش السوري في غرب بيروت.
بعد تدخل المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط فيليب حبيب، انسحبت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت الغربية بعد الدمار الهائل الذي سببته العملية العسكرية الإسرائيلية.
وخلص مبارك إلى أن الوضع في الشرق الأوسط متوتر للغاية، وسعى إلى إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل بالقبول بإقامة كيان فلسطيني في إطار اتحاد مع الأردن تمهيدا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل. في محادثاته مع تاتشر، قدم رؤيته للتسوية في الشرق الأوسط.
وقال مبارك “إنه عندما طلب منه في وقت سابق قبول فلسطينيين من لبنان، قال للولايات المتحدة إنه يمكن أن يفعل ذلك كجزء من إطار شامل للحل”، كما كشف محضر المحادثات.
وأعرب مبارك عن استعداده لاستقبال فلسطينيين من لبنان في مصر، على الرغم من إدراكه للمخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الخطوة.
وأبلغ تاتشر أنه “أخبر (فيليب) حبيب أنه بإجبار الفلسطينيين على مغادرة لبنان، فإن الولايات المتحدة تخاطر بالتسبب في عشرات المشاكل الصعبة في مختلف البلدان”.
وحذرت تاتشر من أن أي دولة فلسطينية مستقبلية محتملة لن تمنح الفلسطينيين الذين فروا قسرا بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 حقهم في العودة إلى ديارهم في فلسطين كما ينص قرار الأمم المتحدة.
وقالت “حتى إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تؤدي إلى استيعاب جميع الفلسطينيين في الشتات”.
ومع ذلك، قال بطرس غالي، وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية آنذاك: “ومع ذلك، سيكون لدى الفلسطينيين جوازات سفرهم الخاصة، وسيتخذون مواقف مختلفة”.
وأضاف: “في الواقع لا ينبغي أن يكون لدينا دولة إسرائيلية وشتات يهودي فحسب، بل دولة فلسطينية صغيرة وشتات فلسطيني”.
تظهر الوثائق أن المناقشات لم تتطرق إلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتبقين خارج فلسطين.
ترفض جميع الفصائل السياسية في لبنان فكرة توطين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، وتصر على أن بلادها لن تصبح بديلا عن حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وفقا لقرار الأمم المتحدة.
بعد 19عاما، رفضت الحكومة اللبنانية بشدة الضغط من أجل الموافقة على مبادرة السلام العربية مع إسرائيل في القمة العربية التي عقدت في بيروت في مارس 2002 لأنها لم تتضمن حق الفلسطينيين في العودة.
وحذر إميل لحود، الرئيس اللبناني آنذاك، من أن عدم وجود بند في المبادرة بشأن حق العودة سيعني توطين الفلسطينيين في لبنان، وهو ما قال إنه غير مقبول.
وكحل وسط، تمت إضافة بند مطلوب يدعو إلى “حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194”.
نتج عن ذلك موافقة القادة العرب على المبادرة التي طرحها الأمير الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي آنذاك.
ألمحت رئيسة الوزراء البريطانية إلى دعمها لفكرة الاتحاد بين الأردن والدولة الفلسطينية. وقالت إن هذا الحل “هو ما يتخيله معظم الناس”.
سأل وزير الخارجية والكومنولث البريطاني آنذاك، اللورد فرانسيس بيم، عما إذا كانت إسرائيل، في ظل حكومة حزب العمال، ستقبل مفهوم الدولة الفلسطينية الصغيرة منزوعة السلاح.
ورد أسامة الباز، المستشار السياسي لمبارك، بأن “الخطوة الأولى يجب أن تكون كيانا فلسطينيا متحدا مع الأردن”. وتوقع أن هذا “يمكن أن يتطور في غضون عشر إلى 15 عاما إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح”.
اعتقد غالي أن حكومة حزب العمال الإسرائيلية “قد تكون قادرة على تصور مثل هذا التطور” الذي وصفته تاتشر بأنه “تغيير جذري في السياسة”، مما أثار “شكوكا” في أن مثل هذه الحكومة الإسرائيلية “يمكن أن تحصل على قبول من الشعب الإسرائيلي” له.
بالإضافة إلى ذلك، أعربت عن تحفظاتها بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عن الأردن، قائلة: “يشعر البعض أن الدولة الفلسطينية المستقلة قد تخضع لهيمنة الاتحاد السوفيتي”. ومع ذلك، دحض الباز هذا الخوف باعتباره “تصورا خاطئا”، بحجة أن الدولة الفلسطينية لن “يهيمن عليها الروس”.
وأوضح أن مثل هذه الدولة ستعتمد اقتصاديا على الدول العربية الغنية بالنفط “التي عارضت بشدة إقامة دولة موالية للسوفييت في المنطقة”.
وأضاف المستشار الرئاسي المصري أن السعودية مثال على تلك الدول التي لن تسمح بحدوث ذلك أبدا. وتابع الباز: “يجب أن تكون أي دولة فلسطينية منزوعة السلاح”. لذلك ، “لن تتلقى أسلحة سوفيتية”.
أيد مبارك وجهة نظر الباز، قائلا إنه لا توجد دولة عربية واحدة تقبل كيانا فلسطينيا يهيمن عليه السوفييت.
ولمزيد من الطمأنينة لتاتشر، أضاف مبارك أن “الدولة الفلسطينية لن تشكل أبدا تهديدا لإسرائيل”. حتى أنه توقع أن الفلسطينيين في الكويت وبقية الخليج “لن يعودوا أبدا إلى دولة فلسطينية”.
ثقة تيفي عن “ميدل إيست”