ثقة تيفي
توقّع تقرير حديث صادر في مايو 2025 عن مؤسسة “موردور إنتليجنس” أن يشهد سوق الشحن والخدمات اللوجستية في المغرب نمواً ملحوظاً خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث يُقدّر أن يبلغ حجمه 23.97 مليار دولار أمريكي في عام 2025، على أن يصل إلى 32.24 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.11%.
ويُعزى هذا النمو إلى عدة عوامل بنيوية واستراتيجية، على رأسها الاستقرار السياسي للمملكة وموقعها الجيوستراتيجي الحيوي الذي يربط أوروبا بأفريقيا، ما يمنحها أفضلية تنافسية على باقي دول شمال القارة.
وقد أظهرت البنية التحتية الوطنية تحسناً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، مدعومة باستثمارات ضخمة في الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمناطق الصناعية واللوجستية.
فقد تم بناء أكثر من 1,800 كيلومتر من الطرق الجديدة، إلى جانب توسيع شبكة السكك الحديدية وربط المدن الساحلية الرئيسية، من بينها مشروع الربط المرتقب بين الدار البيضاء وأكادير عبر القطار السريع، بكلفة تُقدّر بـ 7.58 مليار دولار.
ويكتسي تطوير القطاع اللوجستي أهمية خاصة في الاستراتيجية الوطنية اللوجستية 2030، وهي خطة حكومية ترمي إلى خفض تكاليف الخدمات اللوجستية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير حوالي 36 ألف فرصة عمل جديدة، فضلاً عن تقليص الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالنقل.
وعلى الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النقل والخدمات اللوجستية لا يزال محدوداً نسبياً، إذ لا يتجاوز 3% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي، فإن المغرب استقطب مؤخراً اهتماماً متزايداً من شركاء دوليين.
ففي نوفمبر 2023، أعلن بنك الاستثمار الأوروبي وصندوق محمد السادس للاستثمار عن تخصيص تمويل بقيمة 538.5 مليون دولار لتطوير مشاريع البنية التحتية وإنشاء آليات تمويل جديدة لدعم الفاعلين المحليين في القطاع. في السياق ذاته، يشهد قطاع التجارة الإلكترونية في المغرب نمواً متسارعاً، مدعوماً بإعفاءات جمركية جزئية على بعض السلع الصغيرة، وتحول سلوك المستهلك نحو الشراء الرقمي، لا سيما في أعقاب جائحة كوفيد-19
.
فقد ارتفعت عائدات التجارة الإلكترونية من 1.21 مليار دولار في 2022 إلى 1.38 مليار في 2023، مع توقعات بتجاوز 1.6 مليار دولار في 2024. ويُشار إلى أن نحو 50% من مستخدمي الإنترنت في المغرب – الذين بلغ عددهم 33.18 مليون في أوائل 2023 – يُقدمون على الشراء عبر الإنترنت، ما يخلق طلباً متزايداً على خدمات الشحن والتوصيل والتخزين.
ويهيمن على السوق المغربي عدد من الفاعلين الدوليين البارزين مثل “بولوري” “لوجستيك أفريقيا” – “دي بي شينكر “- أو “كونه وناجل، إلى جانب شركات مغربية وإقليمية نشطة في مجالات التخزين والنقل البري والبحري.
ويُتوقَّع أن تشهد السنوات المقبلة توسعاً في الحضور الجغرافي لهؤلاء الفاعلين، مع دخول منافسين جدد يقدمون خدمات لوجستية مخصصة تستجيب لاحتياجات قطاعات بعينها، مثل الصناعة والصحة والتجارة الإلكترونية.
يعكس هذا النمو الديناميكي تحوّل المغرب إلى مركز لوجستي إقليمي، مدعوم برؤية حكومية واضحة، واستثمارات طموحة، وتطورات تكنولوجية مستمرة، ما يؤهله للعب دور محوري في تدفق السلع والخدمات بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.