ثقة تيفي
أظهر استطلاع رأي أنجزه المركز المغربي للمواطنة وشمل عينة من 1173 مشاركة ومشارك، أن السلوك المدني في الفضاء العام يعاني من اختلالات بنيوية واضحة تعكس فجوة كبيرة بين القيم المرجوة والواقع اليومي.
عبر غالبية المشاركين في الاستطلاع عن عدم رضاهم تجاه مظاهر عدة مثل ضعف الاحترام المتبادل، غياب النظام، تدني مستوى النظافة، وعدم احترام الفئات الهشة، وهو ما تجسد في تقييمات سلبية للسلوكيات اليومية في الأماكن العامة.
وأفاد الاستطلاع بأن هناك وعياً جماعياً بواقع هذه الاختلالات، مع إدراك لتعدد التحديات التي تعيق ترسيخ ثقافة مدنية مسؤولة ومنفتحة. وأكدت النتائج أن أغلب المشاركين غير راضين عن مدى احترام القانون والنظام والنظافة، ما يعكس تصوراً عاماً بأن السلوك اليومي لا يعكس مستوى المجتمع المدني الحديث والمنظم الذي يجب أن يكون عليه الواقع.
مع ذلك، سجل الاستطلاع مؤشرات إيجابية تمثلت في رضا متوسط لدى عدد مهم من المشاركين حول بعض السلوكيات، لا سيما احترام كبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، مما يفتح المجال لتحسين الأوضاع عبر تدخلات تربوية وتحسيسية فعالة.
وفي المقابل، برزت ظواهر سلبية شبه مألوفة لدى عدد كبير من المستجوبين، مثل الغش في المعاملات التجارية، التسول المنظم، احتلال الأرصفة، والمضايقات في الشوارع والأسواق. وأثارت هذه السلوكيات قلقاً واسعاً وأكدت الحاجة إلى معالجة شاملة تتجاوز الزجر لتشمل التربية والتأطير المجتمعي والرصد المستمر.
كما أشار الاستطلاع إلى أن جزءاً كبيراً من المشاركين يعتبر مستوى الالتزام بالسلوك المدني ضعيفاً أو متوسطاً، بينما أقر الكثيرون أنهم اضطروا للتدخل شخصياً أكثر من مرة لتصحيح سلوك غير مدني، مما يعكس وجود حس جماعي بمسؤولية الحفاظ على النظام العام.
وعن العوامل التي تساهم في تعزيز السلوك المدني، اتفق المشاركون على أهمية التربية الأسرية التي تصدرت النتائج بنسبة 80%، إذ اعتبروا الأسرة حجر الزاوية في غرس قيم الاحترام والمسؤولية. وجاء دور المؤسسات التعليمية في المرتبة الثانية بنسبة 59.7%، مع الاعتراف الكبير بدور المدارس والجامعات في تنمية السلوك المدني عبر المناهج والأنشطة التربوية.
كما رأى 54.9% أن القوانين والتشريعات الصارمة تسهم في ضبط السلوك العام وتعزيز الانضباط، فيما أشار 44.4% إلى أهمية الوازع الديني والقيم الأخلاقية باعتبارها مرجعية لترسيخ القيم والسلوك السليم. واعتبر 43.3% أن العدالة والمسؤولية بين المواطنين أنفسهم لها تأثير ملموس على تعزيز السلوك المدني.
وأبرز38.9% دور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تؤثر مباشرة على السلوكيات العامة، سواء إيجاباً أو سلباً، بينما شدد 36.5% على ضرورة تعزيز الشفافية والنزاهة في المعاملات الإدارية كعنصر لبناء الثقة وغرس السلوك المدني.
من جهة أخرى، أشار 25% إلى أهمية النماذج والقدوة الإيجابية في المجتمع كمحفز على تقليد السلوكيات النموذجية ونشرها، في حين جاء العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية في المرتبة الأخيرة بنسبة 20.8% رغم اعتراف المشاركين بأهميتها في تعزيز الممارسة المدنية والانخراط الجماعي.
تشير هذه النتائج إلى أن تعزيز السلوك المدني في الفضاء العام يتطلب مقاربة شاملة تستند إلى الجذور التربوية والثقافية، مدعومة بالقوانين والقدوة الحسنة، مع توظيف الإعلام والشفافية كمحركات للتغيير.
كما يؤكد الاستطلاع على أهمية تضافر الجهود بين الأسرة، المدرسة، المؤسسات التشريعية، والمجتمع بأسره لخلق بيئة تحترم القانون والقيم الإنسانية، وتوفر قدوة حقيقية تواكب تطلعات المجتمع المدني الحديث.