ثقة تيفي
في تقرير تحليلي بعنوان “لماذا تدفع الحكومة أجور الصحافة الخاصة؟”، كشف الباحث والإعلامي عبد الله أموش عن معطيات دقيقة وأرقام مفصلة حول الدعم المالي العمومي الموجه للمقاولات الصحفية الخاصة، والذي تجاوز مليار ونصف مليار درهم في أربع سنوات فقط، منذ انطلاق هذا الدعم الاستثنائي سنة 2020 في ظل جائحة كوفيد-19.
وكشف التقرير، الذي نشره المعهد المغربي لتحليل السياسات، عن وجود مجموعات صحافية كبرى بيد عدد محدود من رجال أعمال نافذين، لهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالسلطات السياسية، من بينهم مجموعة “كراكتير” التابعة لمجموعة “أكوا” القابضة التي يمتلكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ومجموعة “إيكو ميديا”، بالإضافة إلى مجموعة “هوريزون برس” التي يرأسها الوزير السابق منصف بلخياط.
وأوضح أموش أن هذا الدعم، الذي بدأ بشكل استثنائي بقيمة 340 مليون درهم سنة 2020، تم تثبيته لاحقًا كاعتماد قار ضمن ميزانية وزارة الشباب والثقافة والتواصل، واستمر بنفس المستوى المالي تقريبًا، ليصل في المجمل إلى أكثر من مليار ونصف مليار درهم ما بين 2020 و2024، موزعة على مختلف الفاعلين في سلسلة الإنتاج الصحفي، من ناشرين إلى شركات الطبع والتوزيع وإذاعات خاصة.
ووفقًا للتقرير، استفادت عشرات المؤسسات الصحفية من هذا الدعم، حيث تم إعفاؤها من أداء أجور العاملين، وواجبات الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والضريبة على الدخل لفائدة هؤلاء العاملين، بينما تولت الدولة تغطية هذه الكلفة بالكامل.
وتلقى العاملون في المقاولات الصحفية الخاصة دعمًا ماليًا عموميًا يصل إلى نحو 325 مليون درهم في أواخر عهد الحكومة السابقة (2016-2021)، وأكثر من مليار درهم في فترة الحكومة الحالية (2021-2026)، وذلك استنادًا إلى بيانات تغطي الفترة من منتصف 2020 حتى مارس 2025. ويأتي هذا الدعم في سياق إلغاء نظام أداء الأجور القديم مع صدور قوانين جديدة تنظم الدعم العمومي للصحافة والنشر والطباعة والتوزيع.
وقد بلغ عدد المقاولات الصحفية التي تلقت الدعم المالي المباشر 142 مقاولة سنة 2020، وارتفع العدد تدريجيًا إلى 207 مقاولة سنة 2024، في حين ارتفع عدد المستفيدين من الدعم في صفوف الصحافيين والعاملين من 2,199 فردًا سنة 2021 إلى 2,309 سنة 2024.
كما شمل الدعم العمومي مؤسسات أخرى في السلسلة الاقتصادية للصحافة، حيث استفادت إحدى شركات توزيع الصحف من دعم مالي قدره 60 مليون درهم على مدى أربع سنوات، بينما تلقت 11 مقاولة للطباعة دعمًا بقيمة 30 مليون درهم، في حين نالت 12 إذاعة خاصة دعمًا مباشرًا قدره 55 مليون درهم.
ويعاد الحديث عن هذا الدعم اليوم في ظل تسريبات من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التي كشفت أن بعض مديري المقاولات الصحفية الخاصة تشملهم تغطية الدعم، ما يثير تساؤلات حول وجود شبهة تضارب مصالح.
وحسب التقرير، تثير هذه المعطيات تساؤلات حول أسباب الاستمرار في نظام دفع أجور للعاملين في شركات يفترض أنها خاصة، بدل العودة إلى صيغة دعم تكاليف المقاولات نفسها، فضلاً عن مدى شفافية صرف هذا الدعم واحترام مبادئ المحاسبة التي يضمنها الدستور والقانون.
ونبّه أموش إلى أن طريقة تدبير هذا الدعم تتسم بالضبابية فيما يخص معايير التوزيع وغياب الشفافية في نشر لوائح المقاولات المستفيدة. كما أشار إلى أن الدعم وُجّه كذلك إلى مؤسسات حزبية وشبه عمومية، وأخرى مملوكة لأشخاص نافذين داخل الدولة، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول أثر هذا الدعم على استقلالية وتعددية الإعلام المغربي.
وختم أموش تقريره بدعوة واضحة إلى ضرورة إخضاع الدعم العمومي لمبادئ الشفافية والمحاسبة عبر نشر تفاصيل الدعم حسب كل منبر إعلامي، وكشف الجرائد المستفيدة من الإعلانات الإدارية، وعدد الصحفيين المعتمدين داخل كل مؤسسة.
كما طالب بإجراء تدقيق مالي صارم يحدد بدقة أوجه صرف الدعم وفاعليته في دعم مهنة الصحافة، إلى جانب مراجعة معايير توزيع الدعم لضمان استدامة المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز التعددية في المشهد الإعلامي الوطني.