ثقة تيفي
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن فضيحة طبية وإنسانية، تتعلق باستخدام حيوانات منوية لمتبرّع دنماركي يحمل طفرة جينية خطيرة، في عمليات تلقيح صناعي بعدة دول أوروبية، ما أسفر عن ولادة 67 طفلًا من 46 عائلة، بينهم 52 طفلًا في بلجيكا وحدها، وُلدوا جميعًا من متبرّع واحد.
وأفادت الغارديان أن المتبرّع، الذي وُصف حينها بأنه “في صحة جيدة” ولا يعاني من أمراض معروفة، تبيّن لاحقًا أنه يحمل طفرة جينية نادرة في جين TP53، مرتبطة بمتلازمة لي فروميني، وهي حالة وراثية خطيرة تزيد بشكل كبير من احتمالية الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، أبرزها سرطان الدماغ، الثدي، والعظام.
– صادرات من بنك خاص في كوبنهاغن
نُقلت الحيوانات المنوية عبر بنك الحيوانات المنوية الأوروبي، وهو مركز خاص مقره العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، إلى 14 مركزًا طبيًا في بلجيكا.
وفي 12 من هذه المراكز، تم استخدام هذه العينات في عمليات تلقيح صناعي بين عامي 2008 و2017، مما أدى إلى ولادة أطفال، من بينهم 37 امرأة بلجيكية.
وبحسب الوكالة الفيدرالية البلجيكية للأدوية والمنتجات الصحية، فقد تم تشخيص إصابة 10 أطفال على الأقل بالسرطان لاحقًا، في حين أظهرت الاختبارات أن 23 طفلًا يحملون الطفرة الجينية الخطيرة.
– مخاطر ضعف الرقابة العابرة للحدود
وأكدت الصحيفة أن هذه الحادثة تسلّط الضوء على غياب لوائح دولية موحدة للحد من عدد العائلات التي يمكن لمتبرّع واحد أن يساهم في إنجاب أطفال لها، ما يخلق صعوبات بالغة في تتبع النتائج الصحية لهؤلاء الأطفال لاحقًا، خاصة عند تشخيص أمراض وراثية خطيرة.
وقالت الدكتورة إدويج كاسبر، عالمة الأحياء بمستشفى روان الجامعي في فرنسا، والتي قدّمت هذه الحالة في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلم الوراثة البشرية في ميلانو: “نحن بحاجة إلى حدّ أوروبي لعدد المواليد أو العائلات لكل متبرّع… لا يمكننا تسلسل الجينوم الكامل لكل متبرّع، لكن هذا الانتشار غير الطبيعي للمرض وراثيًا مقلق للغاية”.
– الكشف بعد إصابة الأطفال بالسرطان
ظهرت القضية إلى العلن بعدما لاحظت عائلتان أوروبيتان إصابة أطفالهما بسرطان نادر، وأبلغتا عيادات الخصوبة الخاصة بهما.
وأظهر تحليل لاحق أجراه مختبر الدكتورة كاسبر أن الطفرة الجينية المكتشفة تتسبب على الأرجح في متلازمة Li-Fraumeni. كما تبين أن المتغير لم يكن معروفًا في عام 2008، وبالتالي لم يتم اكتشافه بفحوص التبرع المعتمدة حينها.
ويُطلب الآن من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم بالطفرة الخضوع لفحوص منتظمة تشمل التصوير بالرنين المغناطيسي لكامل الجسم والمخ، بالإضافة إلى فحوصات الثدي والموجات فوق الصوتية للبطن عند بلوغهم سن الرشد.
– غياب الشفافية ودعوات لتنسيق دولي
وقال بنك الحيوانات المنوية الأوروبي، الذي يضع حدًا دوليًا يبلغ 75 عائلة لكل متبرّع، إنه لا يمكنه تأكيد العدد الدقيق للأطفال المولودين من هذا المتبرع، وإنه تم إعلام جميع العيادات المعنية بالواقعة.
لكن كاسبر عبّرت عن قلقها “هل 67 هو العدد الكامل؟ لقد طرحت هذا السؤال على البنك، لكنهم لم يرغبوا في إعطائي الرقم الدقيق”.
علق البروفيسور غوين هدسون من جامعة دي مونتفورت في ليستر، قائلًا إن هذه الحالة تعكس التحديات المعقدة التي تنتج عن تداول الأمشاج البشرية عبر الحدود، خصوصًا في ظل اختلاف السياسات الوطنية وعدم وجود قاعدة بيانات موحدة لتتبع المتبرعين والأطفال الناتجين عنهم.
وأضاف هدسون “نحن بحاجة إلى أنظمة أكثر تنسيقًا لتحديد استخدام المتبرعين وإبلاغ العائلات، تجنبًا لتكرار مثل هذه الكوارث الصحية”.
وقالت جولي باولي بودتز، المتحدثة باسم بنك الحيوانات المنوية الأوروبي، إن البنك “تأثر بشدة” بهذه الحادثة، لكنه شدد على أنه “من غير الممكن علميًا اكتشاف كل الطفرات الجينية ما لم تكن هناك مؤشرات على ضرورة البحث عنها”.