كشفت تحقيقات تقرير لـ “بي بي سي” عن نزاع عائلي مستمر منذ نصف قرن حول ميراث بيت ضيافة تاريخي في مكة المكرمة، يربط بين عائلة هندية من ولاية كيرالا والحكومة السعودية، وسط غموض يلف مصير تعويض مالي كبير لم يُصرف حتى اليوم.
يقع بيت الضيافة المعروف باسم “كيي” بالقرب من المسجد الحرام، وكان من بناء مايانكوتي كييس، تاجر هندي ثري من مالابار في أواخر القرن التاسع عشر.

وقد تم هدم المبنى في عام 1971 لتوسعة الحرم المكي، وأودعت السلطات السعودية مبلغ 1.4 مليون ريال (ما يعادل اليوم حوالي 373 ألف دولار) كتعويض في خزينة المملكة، لكنها لم تحدد وريثاً شرعياً لذلك التعويض.
على مدى خمسة عقود، تصاعد الخلاف بين فرعين من عائلة كييس – الأول المعروف بفرع الكييس وهو فرع عائلة مايانكوتي الأبوي، والثاني عائلة أراكال الملكية التي ارتبطت بها عبر الزواج – في محاولة لإثبات النسب والمطالبة بالميراث. وتعقدت القضية بسبب اختلاف نظام الميراث بين العائلتين، إذ يتبعان التقليد الأمومي غير المعترف به قانونياً في السعودية، وهو ما جعل الحكومة السعودية والمجتمع الدولي في موقف حرج.
وتشير تقارير “بي بي سي” إلى أن الحكومة السعودية لم تصدر أي بيان رسمي حتى الآن بخصوص الإفراج عن التعويضات أو تعديل قيمتها، على الرغم من مطالبات بعض أفراد العائلة التي تشير إلى أن قيمتها قد تتجاوز مليار دولار اليوم مع حساب التضخم.
تروي المصادر أن البيت، الذي شُيد من أخشاب استوردت خصيصاً من مالابار، كان يتسع لـ22 غرفة ويغطي مساحة 1.5 فدان، وكان بمثابة مرفق خير للزوار الهنود القادمين لأداء مناسك الحج والعمرة.

ويقول المؤرخ ضياء الدين سردار إن الوجود الهندي في مكة كان واسعاً في القرن الثامن عشر، حيث شكل الهنود نحو 20% من سكان المدينة، وأسهموا في بناء اقتصادها وازدهارها.
عقب الهدم الأخير للبيت في السبعينيات، حاولت القنصلية الهندية في جدة ومسؤولون هنود حل النزاع بتحديد الوريث الشرعي، لكن ذلك لم ينجح بسبب تعقيدات القانون السعودي وأنظمة الميراث المتبعة.
في عام 2011، ومع انتشار شائعات عن قيمة التعويض، تقدم آلاف الأشخاص في ولاية كيرالا مطالبين بأنهم أحفاد مايانكوتي كييس، الأمر الذي أدى إلى وقوع عمليات احتيال واسعة في 2017 حين زُعم أن محتالين استغلوا الوضع لجمع الأموال من السكان.
ويشير بعض أفراد العائلة إلى أن الحل الأمثل يكمن في استخدام أموال التعويض لبناء بيت ضيافة جديد لخدمة الحجاج، وهو ما كان من نية مايانكوتي كييس الأصلي، بينما يؤكد آخرون أن التعويض ملك خاص للعائلة ويجب تسليمه مباشرة لهم.
محمد شهاد، الباحث والمؤرخ المحلي، يرى أن النزاع لا يقتصر على الجانب المالي، بل هو صراع لتكريم جذور العائلة وإرثها التاريخي في مكة. ويضيف “إذا لم يحصلوا على التعويض، فإن الاعتراف الرسمي بعلاقة الأسرة بالبيت كان سيكون نصراً لهم”.
يبقى مصير بيت ضيافة كييس روث Keyi Rubath وتعويضه المالي معلقاً، و قصة هذا النزاع عالقة بين مكة ومالابار، شاهدة على تعقيدات الميراث، والهوية، والحق التاريخي.