وجه الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب انتقادات كبيرة لأداء الحكومة خلال نصف ولايتها، وذلك خلال الكلمة التي ألقاها المستشار خالد السطي باسم الاتحاد في الجلسة الدستورية المنعقدة أمس بمجلس المستشارين طبقا للفصل 101 من الدستور والمخصصة لمناقشة عرض الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة الذي تقدم به رئيس الحكومة أمام البرلمان بمبادرة منه.
وفيما يلي أهم الانتقادات التي وجهها المستشار البرلماني للأداء الحكومي.
عجز عن الوفاء بالالتزامات
أشار السطي في كلمته باسم منظمته النقابية، إلى أن الحكومة حددت عشر التزامات في برنامجها، غير أن الواقع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة عاجزة عن الوفاء بهذه الالتزامات، بل إن بعض المؤشرات السلبية التي وعدت بتخفيضها، حسب السطي، قد ازدادت سوءا في عهد حكومة الكفاءات، فمعدل النمو الذي وعدت الحكومة برفعه إلى 4 في المائة لم يتجاوز 1.3 في المائة سنة 2022، و2.9 في المائة سنة 2023، ونسبة البطالة بلغت 13.7 بداية هذه السنة وصلت نسبة البطالة ل 13.7 في المئة بداية سنة 2024، وتزايد حجم البطالة ب 96000 شخص إضافي ما بين الفصل الأول من سنة 2023 والفصل الأول من 2024 ليصل العدد الإجمالي إلى متم أبريل 2024 لمليون و 645 ألف عاطل، وهي نسبة لم تسجل منذ مطلع الـ 2000؛ أما نسبة التضخم، فقد ناهزت في عهد هذه الحكومة 9 في المائة.
وبخصوص ملف التشغيل، قال السطي إن الحكومة وعدت بتحقيق مليون منصب شغل في نهاية الولاية التشريعية، بعدما وعد رئيس الحكومة في حملته الانتخابية بتحقيق مليوني منصب، غير أن الواقع يشير إلى العكس تماما، حيث فقد سوق الشغل 181 ألف فرصة عمل، ومعدل نشاط المرأة تراجع بعدما وعدت الحكومة بإيصاله إلى 30 في المائة إلى 19% فقط فضلا عن تراجع الحكومة عن التزامها بتخصيص منحة شهرية 1000 درهم (دخل كرامة) لكبار السن الذين يبلغون 65 سنة فما فوق بعدما تم إقراره في مشروع قانون المالية لسنة 2022.
الاستحواذ التشريعي
وبخصوص تعزيز المسار الديمقراطي والعلاقة بين الحكومة والبرلمان، سجل السطي استحواذ الحكومة على السلطة التشريعية وضرب مقتضيات الدستور التي تنص على التعاون والتكامل. ويتجلى ذلك بالأساس، حسب نفس المتحدث، من خلال ضعف تعاطي الحكومة مع المبادرات التشريعية للبرلمان بمجلسيه، سواء تعلق الأمر بمقترحات القوانين أو بالتعديلات على مشاريع القوانين.
وبخصوص مراقبة عمل الحكومة، تأسف السطي لغياب رئيس الحكومة عن البرلمان ضدا عن منطوق الدستور الذي نص في الفصل 100 على عقد جلسة شهرية لتقديم رئيس الحكومة أجوبته على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة. فلم يتجاوز هذا الحضور مرتين في دورتين ومرة وحيدة يتيمة في الدورة المنصرمة، مما أضاع على البرلمان فرصا مهمة لتقييم ومراقبة الأداء الحكومي. فضلا عن تجاوز الوزراء الآجال الدستورية المحددة للجواب عن الأسئلة الكتابية وطبيعة بعض الأجوبة، مما جعل هذه الآلية الرقابية غير ذي جدوى.
وبخصوص تناول الكلمة في نهاية جلسات الأسئلة الشفهية، فيقول السطي إن مآله الرفض في غالب الأحيان بدعوى “قبول الحكومة في جلسة أخرى”، علما أن تناول الكلمة يكون في موضوع طارئ يقتضي اتخاذ تدابير استعجالية.
الدولة الاجتماعية شعار للاستهلاك الاعلامي
أكد السطي في كلمته أن مفهوم الدولة الاجتماعية ليس مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي، بل هو مجموعة من الإجراءات والتدابير من أجل تحسين ظروف عيش المغاربة. وفي هذا السياق، نبه السطي إلى أن القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية لم يعتمد التعريف المعتمد من طرف منظمة العمل، حيث تم استبعاد التعويض عن البطالة مثلا من مشمولات هذا التعريف.
وأضاف السطي أن الحماية الاجتماعية لا ينبغي اختصارها في التغطية الصحية فقط على أهميتها. ودعا إلى مراجعة عتبة الاستهداف التي حرمت فئات واسعة من الاستفادة من برامج الدعم بعدما استفادت من المنحة الأولى. وطالب بوضع تصور شامل وبرنامج واضح لإصلاح صندوق المقاصة بالشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، مع اتخاذ تدابير لفائدة الطبقة المتوسطة، خصوصا في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
كما دعا إلى تدارك وجود حوالي قرابة ثمانية ملايين شخص خارج التغطية الصحية بعد الانتقال من نظام “راميد” إلى نظام “أمو تضامن”.
تأويل رجعي للمقتضيات القانونية
وارتباطا بموضوع الحوار الاجتماعي ومسألة التمثيلية، أكد المستشار البرلماني على أهمية مأسسة العلاقة مع الشركاء الاجتماعيين على السلم الاجتماعي داعيا إلى ضرورة إشراك كل النقابات الجادة والمسؤولة في الحوار بعيدا عن منطق الإقصاء والتهميش، مؤكدين في هذا السياق على خلو الإطار القانوني من أي مقتضيات لتنظيم مسألة التمثيلية في القطاع العام على عكس القطاع الخاص.
وقال السطي إن إقصاء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، القوة النقابية الصاعدة، من الحوار الاجتماعي، رغم كونه المركزية النقابية الثالثة في القطاع الخاص مجرد تأويل رجعي للمقتضيات القانونية يهدف إلى إقصاء منظمتنا من الحوار الاجتماعي ومن التمثيلية في عدد من المؤسسات الدستورية.
والغريب، حسب نفس المتحدث، هو اعتماد الحكومة لمعايير متفاوتة، فبعض القطاعات الوزارية تستدعي كل النقابات النشيطة في القطاع، وبعضها الآخر يستدعي النقابات الحاصلة على عتبة 6 في المائة قطاعيا، والبعض الآخر يعتمد 6 في المائة على المستوى المركزي. بل إن وزارة الفلاحة استبعدت الجامعة المغربية للفلاحة التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب رغم حصولها على عتبة 6%، مما يعني، حسب المتحدث، أن مسألة الاقصاء والابعاد تمت عن سبق اصرار وترصد واضحين. طالبا رئيس الحكومة بتفسير ذلك.
الاتفاق الاجتماعي الأخير غامض
ودعا المستشار البرلماني في كلمته باسم منظمته النقابية إلى التسريع بإخراج القانون التنظيمي للإضراب الذي نص عليه الدستور منذ سنة 1961؛ وإخراج قانون النقابات بما يضمن تخليق المشهد النقابي وشفافية التدبير وريط المسؤولية بالمحاسبة؛ وإصلاح الإطار التشريعي المنظم لانتخابات اللجان الثنائية؛ كما ندعو إلى إطلاق حوار شفاف وبدون إقصاء لإصلاح منظومة التقاعد بما يضمن ديمومتها وتوازنها ويحافظ للمنخرطين على مكتسباتهم.
وبخصوص الاتفاق الاجتماعي الاخير للحكومة مع بعض المركزيات النقابية، قال السطي إننا اعتبرناه في نقابتنا اتفاقا غامضا، على الرغم من المكتسبات التي تحققت خصوصا الزيادة العامة في الأجور والمقدرة بألف درهم، والتي تبقى غير كافية أخذا بعين الاعتبار التضخم وارتفاع الأسعار في مختلف الموارد خاصة المحروقات.
وواصل السطي انتقاداته للاتفاق بتسجيل أنه غابت فيه جدولة زمنية لعدد من مشاريع القوانين ذات الأهمية بما كان كقانون النقابات وإصلاح منظومة الانتخابات المهنية لإفراز تمثيلية حقيقية للشغيلة، وإعادة النظر في النظام الاساسي للوظيفة العمومية، وتغييب المتقاعدين واقصائهم، ناهيك عن استمرار الاحتقان في عدد من القطاعات والفئات كالتعليم (رغم إخراج النظام الأساسي )، والصحة والعدل والمالية والفلاحة والتشغيل والجماعات الترابية وعدد من المؤسسات العمومية ناهيك عن غضب المهندسين والمتصرفين والمهندسين والتقنيين ومفتشي الشغل والأستاذة الباحثين والمتقاعدين دون اغفال أطباء وصيادلة الغد والذين وصل ملفهم إلى الباب المسدود واصبح وصمة عار على الحكومة بسبب رفض الوزير الوصي على القطاع فتح باب الحوار معهم و”على الرغم من مبادرة الوساطة التي قمنا بها بمعية الأخوة في الفريق الحركي ومجموعة العدالة الاجتماعية”. داعيا رئيس الحكومة إلى تغليب منطق العقل والحكمة لطي هذا الملف ومعه ملف الأساتذة الموقوفين بقطاع التعليم..
ضعف معدل النمو وإفلاس الشركات وارتفاع حجم المديونية
قال السطي إنه استنادا إلى تقارير رسمية، وتحليل الوضعية الاقتصادية والمالية لبلادنا خلال هذه الفترة، نسجل ضعف معدل النمو حيث بلغ معدل نصف الولاية 2,8% بعدما وعدت الحكومة في برنامجها بإيصاله إلى4%؛ وتزايد عدد الشركات المفلسة مقابل استقرار عدد الشركات المنشأة فيما يناهز 94.000 شركة، حيث بلغ عدد الشركات المفلسة 14.245 خلال سنة 2023 بزيادة سنوية تناهز 15% مقارنة بسنة 2022 (12.397)؛ وبزيادة 35% مقارنة بسنة 2021 (10.556). ومن المتوقع أن تستمر وتيرة إفلاس الشركات في الارتفاع لتصل 14.600 نهاية سنة 2024.
وقال السطي إنه بعد مرور أزيد من سنة نصف على التزام رئيس الحكومة أمام نواب الأمة بوضع تعاقد وطني للاستثمار بهدف تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات وخلق 500 ألف منصب شغل في أفق 2026 تنفيذا لتعليمات جلالة الملك، لم يتم بعد وضع هذا التعاقد، مسجلا في نفس السياق، التأخر في إخراج النصوص التنظيمية المتعلقة بتفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وبنظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي، مقابل السرعة في تفعيل نظام الدعم الأساسي ونظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي.
واللافت، حسب نفس المتحدث، هو ارتفاع حجم مديونية الخزينة من خلال اقتراض الحكومة ما يناهز 140 مليار ردهم في ظرف سنتين فقط (2022 و2023)، علما بأن الحكومة قامت بتفويت أصول في ملك الدولة (مستشفيات ومراكز جامعية وإدارات) من أجل تعبئة موارد مالية ناهزت 80,5 مليار درهم في ظرف ثلاث سنوات فقط في إطار ما سمي بالتمويلات المبتكرة، وهو ما يثير مخاوف التفريط في هذه الأصول، واستمرار الخدمة العمومية وجودتها، خصوصا في ظل غياب إطار قانوني واضح وشفاف يضمن قواعد الحكامة الجيدة والشفافية لتحصين هذه العملية، حسب السطي.
ورش الجهوية: الانقضاض على اختصاصات المجالس المنتخبة
وبخصوص، ورش الجهوية، سجل المتحدث التأخر الكبير في تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، لاسيما إعداد التصاميم المديرية، بل نسجل الانقضاض على الاختصاصات الذاتية للمجالس المنتخبة وتأخر إعداد برامج التنمية الجهوية رغم أن القانون ينض على وضعها في السنة الأولى من انتداب المجلس والعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه.
وشدد المستشار البرلماني على أن المدخل الأساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية يمر عبر دعم ورش الجهوية، مع ما يقتضيه ذلك من توفير الموارد البشرية والإمكانات اللوجيستية والمالية؛ والنهوض بدور الجهات والجماعات الترابية الأخرى وجماعاتها باعتبارها الوحدات الأساسية في التنمية المجالية، مع التأكيد على ضرورة ربط ذلك بوجود نخب محلية تتحلى بالجدية اللازمة و تتمثل مبادئ الحكامة الجيدة التي جاء بها دستور 2011؛ بالإضافة إلى فتح العالم القروي للاستثمار والمبادرة الحرة (ربطه بالصبيب العالي) حتى يساهم في خلق الثروة، لاسيما وأن هناك مؤهلات بشرية. وفي هذا السياق، تساءل السطي عن مآل الطبقة الفلاحية الوسطى التي وعد بها برنامج الجيل الأخضر.