عاد الملف السوري إلى الواجهة بعد أكثر من 4 سنوات من الهدوء الذي تخللته عمليات محدودة تضمنت قصف الجيش السوري بالطائرات والمدفعية المناطقَ الخارجة عن سيطرته، إلى أن أطلق تحالف من الفصائل -أكبرها هيئة تحرير الشام– معركة “ردع العدوان”، فتمكن خلال أيام معدودة من السيطرة على أكبر المدن قبل السيطرة على العاصمة دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى خارج البلاد.
وكان من اللافت خلال المعارك الأخيرة التغيّر الملحوظ في الخطاب السياسي الذي تبنته غرفة “إدارة العمليات العسكرية” التي تقود المعارك، وأظهرته مجموعة من البيانات السياسية، منها ما هو موجّه داخليا للمجتمع المحلي، ومنها ما عبر الحدود إلى مخاطبة الدول.
وعلى اعتبار أن هيئة تحرير الشام -التي تُعدّ امتدادا لتنظيم “جبهة النصرة”- هي أكبر الفصائل في العملية العسكرية، فقد يساعد فهم التحولات التنظيمية والخطابية التي مرّ بها هذا الفصيل في فهم هذه اللحظة التي أعادت رسم الخريطة في سوريا وخلطت الأوراق من جديد في المنطقة.
فقد رافق التحول التنظيمي للهيئة على مرّ السنوات تغيّر في الخطاب السياسي، أدى بالمحصلة إلى تخليها عن كثير من أدبياتها التقليدية، وتبنيها خطابا وطنيا.
فما أبرز المحطات التي أثرت في الهيئة تنظيما وخطابا، وما مدى تأثير هذه التغيرات على معركة “ردع العدوان” الأخيرة؟
الإعلان عن جبهة النصرة
في أول فيديو منسوب إلى أبي محمد الجولاني، أعلن في يناير 2012 عن تأسيس “جبهة النصرة لأهل الشام”، وأشار إلى أنها تتبع لتنظيم القاعدة، كما ظهر في الفيديو مقاتلون من إدلب ودرعا وريف دمشق ودير الزور وحماة ومناطق أخرى وهم يبايعونه.
وذكر الجولاني في كلمته أن الهدف من تأسيس الجبهة هو “إعادة بسط سلطة الله على الأرض”، مستنكرا الدعوات إلى التدخل الخارجي في سوريا، حيث كان رائجًا في ذلك الوقت أن تهتف المظاهرات الثائرة مطالبة بفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا لحمايتهم من طيران الجيش، ودعم فصائل الجيش الحرّ بالسلاح.
كان من الواضح أن الجبهة تستمد شرعيتها المحلية من الخطاب الديني، بينما تستمد شرعيتها العابرة للحدود من مبايعة تنظيم القاعدة، وقيل إن اختيار الجولاني آنذاك كان بتكليف من زعيم تنظيم الدولة في العراق أبي بكر البغدادي، بعد أن قدّم الأول مقترحا لاستغلال الثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011، بهدف توسع التنظيم هناك.
ساهم ذلك في حضور جبهة النصرة في الثورة السورية بشكل قوي، بالإضافة إلى تبنيها عمليات تفجير استهدفت مواقع أمنية أبرزتها بشكل أكبر، منها تفجيرات استهدفت مراكز أمنية في دمشق وحلب وإدلب وغيرها، خصوصا التفجيرين اللذين استهدافا فرع فلسطين وفرع الدوريات الأمنيين بدمشق في مايو 2012.
الهزّة الكبرى
كانت أول صدمة مرّت بها الجبهة هي إعلان زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي في أبريل 2013 دمج “جبهة النصرة” مع تنظيمه، وتغيير اسمه إلى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهو ما تهكّم عليه الثوار السوريون يومئذ باختصاره في “داعش”، وهو الاسم الذي اشتهر عن التنظيم لاحقا.
أصدر الجولاني على إثر ذلك الإعلان كلمة صوتية، قال فيها: “نحيط الناس علما أن قيادات الجبهة ومجلس شوراها والعبد الفقير المسؤول العام لجبهة النصرة، لم يكونوا على علم بهذا الإعلان”، وأكد على أن بيعة الجبهة لن تكون إلا لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وأكد على ذلك دعم الظواهري للجولاني، فقد قرر في رسالة مكتوبة نشرت في يونيو 2013، وكلمة صوتية لحقتها بعد عدة أشهر، إلغاء الاندماج بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة.
أدت هذه الهزة إلى خسارة جزء كبير من المقاتلين المنضوين في جبهة النصرة لصالح تنظيم الدولة، خصوصا أن الجولاني استخدم خطابا يمكن وصفه بأنه “غير حازم” في التعامل مع تنظيم الدولة، حيث صرّح في إحدى مقابلاته على قناة الجزيرة بأن الخلاف بينهم وبين التنظيم “هو كالخلاف داخل البيت الواحد”.
ما سبق أضعف الهيكل التنظيمي للجبهة، كما أن المعركة المفصلية التي أطلقتها فصائل الجيش السوري الحر مطلع عام 2014 لطرد تنظيم الدولة من مناطق اللاذقية وإدلب وحلب، وأدت بالمحصلة إلى انسحابه إلى شرق حلب وصولا إلى الحدود مع العراق، أدت إلى خسارة جبهة النصرة كبرى مقدراتها من حقول النفط في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى ما خسرته من مقاتلين ومقرّات ومخازن أسلحة وعتاد وآليات. هذا الضعف، أدى في المحصلة إلى انحسار دور جبهة النصرة نسبيا في المنطقة.
بداية التحول
بعد المعارك التي دفعت تنظيم الدولة إلى الانحسار في مناطق شرق سوريا، اتجهت جبهة النصرة إلى بناء نفسها من جديد، دون أي تغيير على المستوى الهيكلي أو العقائدي، وتمكنت من إعادة قوتها وسيطرتها وبناء قوتها العسكرية عبر الهجوم على فصائل محلية، مثل جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف في يوليو 2014، معتمدة في التحشيد للمعركة على أنها تهاجم مفسدين وقطاع طرق، كما تبعها هجوم على حركة حزم في نوفمبر 2014 بحجة أنها آزرت جبهة ثوار سوريا، واستمرت الاشتباكات بشكل متقطع بين الفصيلين حتى إعلان حزم حلّ نفسها وانضمامها إلى الجبهة الشامية في مطلع مارس 2015.
وفي منتصف عام 2016، ظهر أبو محمد الجولاني حاسرا اللثام عن وجهه، في مقطع مصور، يعلن فك الارتباط عن تنظيم القاعدة، وتغيير اسم جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام.
كان للسياق أثر كبير على قرار فك الارتباط، فتنظيم الدولة -الذي وصفه الجولاني سابقا بأنه من عائلة جبهة النصرة- قد تشكل تحالف دولي ضده بقيادة الولايات المتحدة يستهدف مناطق سيطرته، كما أن حلب كانت قاب قوسين أو أدنى من حصار تطبق به قوات الحكومة السورية وحليفتيها روسيا وإيران عليها، وبالتالي فإن احتمالية خسارتها واردة، مما يعني خسارة أهم مركز مديني للثورة، وانحسار المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية إلى إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي.
يظهر السياق أن قرار فك الارتباط كان يحمل أهدافا على مستويين: الأول محلي، من خلال توسيع القبول المجتمعي للجبهة لدى المجتمعات والفصائل المحلية باعتبارها فصيلا وطنيا، والثاني دولي، أملا في أن ترفع الدول التي تصنف الجبهة على أنها تنظيم إرهابي تصنيفها.
إلا أن هذه الآمال وُوجهت بصخرة صلبة على أرض الواقع، فالفصائل المحلية استمرت بالتعامل مع الجبهة الناشئة حديثا بناء على خلفيتها القاعدية، كما أن الدول أعلنت -منذ إعلان فك الارتباط- أن جبهة فتح الشام ما تزال على قوائم الإرهاب. كل هذا دفع إلى الخطوة التالية.
تأسيس هيئة تحرير الشام
أعلن عن تأسيس هيئة تحرير الشام في يناير 2017، من اندماج عدة فصائل منها: جبهة فتح الشام، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، ولواء الحق، وحركة نور الدين الزنكي، في المناطق التي كانت متبقية خارج سيطرة النظام شمال غرب سوريا، بعد وقوع التهجير القسري من مدينة حلب في نهاية 2016 بأقل من شهر، مما يعني أن المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة قد انحسرت، بل إنها خسرت أهم نقاطها التفاوضية، وهي مدينة حلب.
يومئذ عملت الهيئة المحدثة مؤخرا بمنطق نفعي براغماتي، إذ بدأت -وبهدف بسط سيطرتها الكاملة على المنطقة- بالهجوم على الفصائل غير المنضوية تحت لوائها. فبعد الإعلان عن تشكيلها بأقل من شهر، هاجمت مواقع جيش المجاهدين في ريف حلب الغربي، وتوسعت إلى الهجوم على صقور الشام في جبل الزاوية جنوب إدلب، وجيش المجاهدين المتمركز قرب بلدة بابسقا القريبة من معبر باب الهوا الحدودي، وتمكنت من تفكيك هذه الفصائل والسيطرة على مناطقها وأسلحتها وذخائرها.
كما بدأت في يوليو 2017 هجوما ضد حركة أحرار الشام، وأدت الاشتباكات في النهاية إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار، انسحبت بموجبه أحرار الشام إلى مواقعها في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، وسيطرت الهيئة على معبر باب الهوا الحدودي، مما جعل العائد المالي من المعبر يصبّ في خزائنها.
وأخيرا كان هجومها على حركة نور الدين الزنكي التي كانت بالأصل من مكوناتها، لكنها قررت الانشقاق إلى صفوف الجبهة الوطنية للتحرير في غشت 2018، حيث بدأ الهجوم مطلع عام 2019 على دارة عزة ليمتد إلى قبتان الجبل، المعقل الرئيس لحركة نور الدين الزنكي، لتنتهي الاشتباكات بتوقيع وقف إطلاق نار قضى بانتقال مقاتلي الزنكي إلى ريف حلب الشمالي، حيث سيطرة الجيش الوطني.
وكانت بقايا كتائب حركة أحرار الشام التي قوتلت سابقا في 2017 قد ساندت حركة نور الدين الزنكي في قتالها مع الهيئة، مما دفع الأخيرة للتوجه إلى قتال الحركة في مواقعها بريف حماة الشمالي بعد الانتهاء من معركتها مع الزنكي، وانتهت المعارك بسيطرة هيئة تحرير الشام على كامل المنطقة في يناير 2019.
وفي منتصف عام 2020، وفي سياق التخلي عن منهاجها السابق، صعّدت هيئة تحرير الشام مواجهتها مع تنظيم “حراس الدين” الذي كان قد أعلن تبعيته لتنظيم القاعدة، بعد فترة من تبني سياسة الاحتواء تجاهه. وجاء التصعيد عقب محاولات التنظيم تعزيز تحالفاته مع منشقين عن الهيئة وفصائل أخرى، فشنت الهيئة حملة أمنية واسعة عليه، شملت مداهمة مقاره واعتقال عدد من قادته، وأجبرت “حراس الدين” وحلفاءه على إغلاق قواعدهم وتسليم الأسلحة الثقيلة والانسحاب من خطوط المواجهة.
ويظهر تسلسل الأحداث أن هيئة تحرير الشام عملت بشكل ممنهج على القضاء على أي منافس محتمل لها في المنطقة، لتغدو هي الحاكم الوحيد لها، كما أنهت كل أشكال “التطرف” في صفوفها بسياسة الاحتواء، وفي المنطقة بالهجوم على من يحاول إظهار نفسه كقوة منافسة.
الإدارة المدنية.. نموذج الحوكمة
في غشت 2017، أطلق عدد من الأكاديميين مبادرة حملت اسم “الإدارة الذاتية في المناطق المحررة”، بهدف تأسيس حكومة مدنية لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وأسفرت هذه المبادرة عن تنظيم “المؤتمر السوري العام نحو إدارة مدنية في المناطق المحررة”، الذي شكل نقطة انطلاق لتأسيس “حكومة الإنقاذ”.
تولت “حكومة الإنقاذ” -المدعومة من هيئة تحرير الشام- مهام الإدارة المدنية، حيث سلّمت الهيئة جهاز الشرطة إليها مع الاكتفاء بالإشراف عليها. وسعت الحكومة إلى تعزيز وجودها المجتمعي عبر تنفيذ مشاريع استراتيجية، مثل إنشاء مدينة صناعية، وتنظيم قطاعات الاتصالات والمياه، إلى جانب إصلاح الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، وتقديم قروض زراعية لدعم المزارعين.
كما عملت الحكومة على تنظيم الشؤون العسكرية من خلال إنشاء ألوية وكلية عسكرية، إلى جانب تنظيم عمل منظمات المجتمع المدني واستخراج التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة المختلفة. تأتي هذه الجهود في إطار مساعي هذه الحكومة لإثبات قدرتها على إدارة المنطقة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. وأظهرت سنوات نشاط حكومة الإنقاذ منذ تشكيلها أنها تمكنت من تأسيس نظام حوكمي ناجح إلى حد كبير في المناطق الخاضعة لنفوذها.
أما على صعيد الخطاب السياسي، فقد شكلت حكومة الإنقاذ إدارة للشؤون السياسية منذ أبريل 2022، وكانت مختصة بصياغة ونشر البيانات السياسية التي تمثلها، وكان أول بيان سياسي نشرته في معرّفها على “إكس” تعليقا على مجزرة التضامن التي انتشر مقطع فيديو لها حينها يظهر عددا من جنود الجيش السوري يعدِمون ميدانيا عددا من المعتقلين السوريين والفلسطينيين، ويلقونهم في حفرة بحي التضامن في دمشق. ونشرت بعدها عددا من البيانات السياسية في أحداث وقضايا محلية وإقليمية وعالمية مختلفة.
وأثار هيمنة الإدارة المدنية لهيئة تحرير الشام -المتمثلة في حكومة الإنقاذ- على منطقة شمال غرب سوريا، تخوفا لدى المنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي من انحسار تدفق الدعم الدولي على المنطقة، مما يؤثر بشكل سلبي على حياة ملايين المهجّرين والنازحين فيها، إلى أن أجرى الجولاني مقابلة تلفزيونية مع محطة “بي بي إس” الأميركية، يظهر فيها لأول مرة ببدلة رسمية بدل الزي العسكري المعتاد، ويشير إلى رغبة الهيئة في التخلص من تصنيفها على قائمة الإرهاب.
كان لهذه المقابلة أثرا إيجابيا على نظرة المجتمع المحلي لهيئة تحرير الشام، وقالت مجموعة من المحللين في مجموعة “إدارة الأزمات الدولية” إن الوقت قد حان لإزالة الهيئة من تصنيف الإرهاب وفتح قنوات تواصل معها، لأن الاستمرار بالتصنيف “يفاقم الأزمة الإنسانية”.
“ردع العدوان” والخطاب السياسي
أظهرت غرفة عمليات “إدارة العمليات العسكرية” انضباطا غير مسبوق عبر متحدث رسمي ومنصات موحدة لنقل المعلومات. ركز الخطاب الإعلامي على ربط العملية بالقصف المتكرر من الجيش السوري ومليشياته على مناطق المعارضة، وهو ما أكسبها شرعية محلية بالتصريح بأن هدف المعركة هو “حماية المدنيين وإبعاد نيران النظام”، كما أنه طمأن السكان في المناطق “المحررة حديثا” عبر توجيهات مباشرة من أبي محمد الجولاني لقادة الفصائل بالتعامل “بالرفق واللين” مع المدنيين وحفظ ممتلكاتهم، وتقديم ضمانات أمان للجنود الذين يختارون الانشقاق.
كما حرصت غرفة العمليات على توجيه رسائل إلى الأقليات، حيث أصدرت بيانات موجهة للأكراد دعت فيه لانسحاب العسكريين من مدينة حلب، مع التأكيد على حقوق المدنيين في البقاء ببيوتهم باعتبارهم مكونا أساسيا في المجتمع السوري وتقع مسؤولية حمايتهم على الفصائل العسكرية، كما طالبت -في بيان آخر- سكان بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين بعدم الانخراط في القتال، وتعهّدت بحمايتهم من أي استهداف، وأظهرت صور ومقاطع تداولها ناشطون أن الكنائس شهدت نشاطا دينيا طبيعيا، وأظهرت مقاطع مصورة أخرى مقاتلين يؤمّنون عودة عدد من العائلات الشيعية التي كانت عالقة في منطقة السفيرة بريف حلب الشرقي إلى بلدتهم.
وفي تحول لافت، دعت “إدارة العمليات العسكرية” -في بيان- روسيا إلى “عدم ربط مصالحها بنظام الأسد”، واعتبار الشعب السوري شريكا محتملا. كما توجّهت -في بيان مستقل آخر- إلى العراق، مطالبة “بعدم دعم النظام”، ومؤكدة أن الثورة السورية لا تهدد الاستقرار الإقليمي. كما أنه خصصت أرقام تواصل للبعثات الدبلوماسية في مدينة حلب لحماية موظفيها ومقارّها.
إعلان مهم من الجولاني
مؤخرا، صرّح الجولاني لمجموعة الأزمات بأن مدينة حلب ستخضع لإدارة هيئة انتقالية مع انسحاب المقاتلين، بمن فيهم عناصر هيئة تحرير الشام، خلال الأسابيع المقبلة. كما أشار إلى دعوة الموظفين الحكوميين لاستئناف عملهم، مؤكدا على احترام الأعراف الاجتماعية والثقافية المتنوعة في المدينة، سواء للمسلمين أو المسيحيين.
وأضاف الجولاني في تصريح مثير يحمل العديد من الدلالات، أن هيئة تحرير الشام تدرس خيار حلّ نفسها؛ بهدف تمهيد الطريق لدمج الهياكل المدنية والعسكرية في مؤسسات جديدة تُعبر عن التنوع الواسع للمجتمع السوري.
وكتبت المستشارة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة، في تغريدة على حسابها على منصة إكس، أنه بالنظر للتاريخ والجذور الجهادية لهيئة تحرير الشام، فإنهم سيواجهون “تحديا هائلا في معالجة المخاوف المفهومة التي يشعر بها العديد من السوريين، بشأن ما يتصل بتوسع هيمنة هيئة تحرير الشام، وتداعياتها على حرياتهم الشخصية والدينية”.
تزامنت هذه الخطوات مع ظرف سياسي مواتٍ محليا وإقليميا ودوليا، فروسيا -المنشغلة بحرب أوكرانيا- قد سحبت الجزء الأكبر من عتادها العسكري و”خبرائها” من سوريا، وأميركا تعبر الآن بين إدارتين ستسلم القديمة ملفات المنطقة للجديدة التي ستتعامل معها كأمر واقع بحسب ما تتغير الخرائط، أما تركيا فقد أفشل تعنت الرئيس السوري بشار الأسد كل محاولاتها لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وإيران التي تواجه رفضا دوليا لوجودها في سوريا، حيث صرّحت واشنطن أن خروج المليشيات التي تدعمها إيران من سوريا هو شرط لإعادة الإعمار، كما وضعت السعودية شرط “ضبط العلاقة مع إيران” لدعم ملف إعادة الإعمار في سوريا، وهذا ما كان له تأثير كبير على سياق معركة “ردع العدوان”.
في النهاية، فإن التنظيم الذي تنوعت أسماؤه خلال مراحل نشاطه في الثلاثة عشر عاما الماضية، شهد تحولا من أقصى الطرف بخطاب أممي عابر للحدود إلى أقصى الطرف الآخر بخطاب وطني محلي، مما انعكس على نتائج معركة “ردع العدوان”، ويبدو أن هدف هذا الانتقال هو كسب الشرعية المحلية والدولية، وهو ما يعكس إستراتيجية جديدة تسعى الهيئة من خلالها لإعادة رسم دورها في المشهد السوري. ورغم العقبات، تشير هذه التحولات إلى محاولة جدية لإعادة ترتيب موازين القوى، عبر تغيير الخرائط وتوزع مناطق السيطرة، لفتح أفق جديد أمام مسار الأحداث في سوريا.
المصدر : (الجزيرة) بتصرف