أثار حادث وفاة مراهقة تبلغ من العمر 15 عامًا في مدينة الدار البيضاء بعد استنشاقها لجرعة من غاز “الضحك” صدمة واسعة لدى الرأي العام المغربي، وأعاد الجدل حول مخاطر هذه المادة التي أصبحت تُستهلك بشكل متزايد بين فئة الشباب والمراهقين.
ورغم استخدامه في مجالات طبية وصناعية، إلا أن استنشاقه لأغراض ترفيهية يشكل تهديدًا حقيقيًا للصحة العامة، لما له من تأثيرات فورية على الجهاز العصبي والقلب، قد تصل إلى حد الوفاة المفاجئة.
وفي هذا الحوار مع “ثقة تيفي”، يسلط الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الضوء على المخاطر الصحية لاستنشاق غاز الضحك، ومدى إمكانية التسبب في الإدمان، وأبرز الأعراض قصيرة وطويلة الأمد المرتبطة به. كما يناقش الحوار مدى انتشار هذه الظاهرة في المغرب، وسبل الحد منها عبر توعية المجتمع وتشديد الرقابة القانونية على تداول، وقد وجه الطبيب رسالة إلى الشباب لخصها في عبارة: غاز الضحك ضحك على الذقون!
حاورته وفاء الدرقاوي
++ ما هو غاز الضحك وما التأثير الفسيولوجي لاستنشاقه على الجهاز العصبي والجسم بشكل عام؟
غاز الضحك، أو أكسيد النيتروس، له استخدامات مشروعة، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر تم استخدامه في التخدير وتسكين الألم، خاصة في مجال طب الأسنان، كما استُخدم في الصناعات الغذائية وفي بعض تقنيات تعزيز قوة محركات السيارات.
غير أنه يعتبر من الغازات التي قد تكون قاتلة وتؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.
فبمجرد استنشاقه، وبحكم كونه غازًا باردًا جدًا، يمكن أن يتسبب فورًا في حروق على مستوى الحلق والجهاز التنفسي، والتي قد تكون شديدة الخطورة في بعض الحالات.
كما أن لهذا الغاز تأثيرات مباشرة على الجهاز العصبي والقلب، وقد يؤدي إلى سكتة قلبية أو اختناق فوري، مما قد يفضي إلى الوفاة.
بالإضافة إلى أن الاستخدام المزمن لهذا الغاز يُسبب اضطرابات عصبية خطيرة، كما يؤدي إلى نوع خاص من فقر الدم ناتج عن نقص فيتامين B12، والذي يُسبب أعراضًا عصبية خطيرة إلى جانب أعراض فقر الدم المعتادة.
++ هل يمكن أن يؤدي الاستخدام المتكرر لغاز الضحك إلى الإدمان؟
ليس هناك دراسات تثبت ان تعاطي غاز الضحك يمكن أن يؤذي إلى الإدمان عليه، غير أن هناك بعض النتائج الأولية لبعض الدراسات التي تشير إلى أن الاستهلاك المتكرر لغاز الضحك يمكن أن يؤدي إلى شكل من أشكال الإدمان النفسي، خاصة لدى الشباب الذين يستخدمونه بحثًا عن النشوة والتأثيرات المؤقتة على الجهاز العصبي.
وعلى الرغم من أنه لا يُسبب إدمانًا جسديًا بالمعنى التقليدي مثل المخدرات الأخرى، إلا أن بعض المستخدمين قد يطورون رغبة متكررة في تعاطيه بسبب تأثيره المؤقت على المزاج.
بالإضافة إلى أن البيئة التي يتم فيها التعاطي لغاز الضحك قد توفر للشباب سهولة الانتقال إلى تناول مواد أخرى و إدمان بعض المخدرات.
++ ما أبرز الأعراض الصحية قصيرة وطويلة الأمد التي قد يعاني منها مستخدمو هذا الغاز؟
وفي السنوات الأخيرة، لجأ بعض الشباب إلى استنشاقه باستخدام البالونات، حيث يُحدث هذا الغاز تأثيرًا لحظيًا على الجهاز العصبي يؤدي إلى الشعور بالنشوة والضحك نتيجة تعطيله مؤقتًا للإشارات العصبية الواصلة إلى الدماغ.
لكن هذا الاستخدام الترفيهي يحمل مخاطر متعددة على ثلاثة مستويات:
مخاطر فورية: حيث يمكن أن يسبب حروقًا في الفم والحلق نظرًا لدرجة حرارته المنخفضة جدًا.
مخاطر مباشرة: مثل الدوخة وفقدان التوازن، مما قد يؤدي إلى سقوط مفاجئ وإصابات خطيرة، بالإضافة إلى احتمال طرد الأكسجين من مجرى التنفس، مما قد يؤدي إلى الاختناق أو اضطرابات في ضربات القلب قد تفضي إلى الوفاة. وقد سُجلت بالفعل حالات وفاة بسبب الاستعمال الخاطئ لهذا الغاز في العديد من الدول.
مخاطر على المدى الطويل: إذ يؤدي الاستخدام المزمن إلى اضطرابات عصبية خطيرة ونقص فيتامين B12، مما قد يُسبب مشكلات عصبية دائمة.
بسبب هذه المخاطر، من الضروري اتخاذ إجراءات حازمة للحد من انتشار هذا الاستخدام غير المشروع، من خلال التوعية المجتمعية، والتشريعات القانونية الصارمة، والمراقبة الدقيقة لتداول هذا الغاز.
++ هل هناك حالات موثقة في المغرب لأضرار صحية أو وفيات مرتبطة باستخدام غاز الضحك؟
في المغرب، لا تتوفر لدينا أرقام موثقة حول مدى انتشار ظاهرة تعاطي غاز الضحك بين الشباب والمراهقين والأطفال، لكن الحالة الأخيرة لوفاة الفتاة أثارت الانتباه إلى خطورة هذه المواد. وعلى الرغم من عدم وجود معطيات دقيقة حول هذا الموضوع، يمكننا الإحالة على دراسة MedSPAD-4 المغرب 2021، التي أظهرت أن تعاطي المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة للمواد ذات التأثير النفسي خلال حياتهم كان كالتالي:
السجائر الإلكترونية: 12.5%
الشيشة: 11.4%
التبغ: 11.1%
المهدئات بدون وصفة طبية: 8.5%
الكحول: 7.2%
الحشيش: 5.8%
الإكستازي: 2.5%
الكوكايين: 1.6%
الهيروين: 0.9%
أما بالنسبة لمعيار الاستخدام خلال الأشهر الـــــ12 السابقة للدراسة، فقد أظهرت البيانات انخفاض معدل انتشار تعاطي التبغ بين المراهقين من 9.3% عام 2009 إلى 6.5% عام 2021.
وفي المقابل، تضاعف استخدام المهدئات بدون وصفة طبية ثلاث مرات تقريبًا، من 2.2% عام 2009 إلى 6% عام 2021، مع تسجيل نسبة أعلى بين الإناث مقارنة بالذكور.
واللافت في السنوات الأخيرة هو الارتفاع المتزايد لاستهلاك السجائر الإلكترونية لدى الذكور وانتشار المواد ذات التأثير العقلي، خاصة بين الفتيات، وهو ما يستدعي المزيد من البحث والتوعية حول تأثيرات هذه الظواهر على الصحة العامة والمجتمع.
++ بالنظر إلى سهولة الحصول عليه، هل ترون ضرورة لتشديد الرقابة على بيعه؟ وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من انتشاره؟
بناءً على هذه المخاطر التي ذكرنا سابقا، وصعوبة المنع بشكل كلي نظرا للاستخدام في أغراض طبية والصناعات الغذائية وصناعة السيارات مثلا من الضروري العمل على محورين رئيسيين:
التوعية والتحسيس: من خلال توعية الآباء بمخاطر هذا الغاز، خصوصًا أنه يُستهلك بشكل متزايد بين فئة الشباب والمراهقين وحتى بعض الأطفال، مما يعرّضهم لمخاطر صحية ونفسية جسيمة، ويفتح الباب أمام استهلاك مواد أخرى ذات تأثيرات نفسية خطيرة.
الإجراءات القانونية: يتطلب الأمر وضع إطار قانوني صارم لتنظيم بيع وتداول هذا الغاز، أسوة بالعديد من الدول، وذلك من خلال حظر بيعه لمن هم دون 18 عامًا، وتقنين الكميات المتاحة، وقصر تداوله على أماكن مرخصة تخضع لرقابة صارمة.
كما ينبغي تصنيفه ضمن المواد ذات التأثير العقلي والنفسي، مع حصر نقاط بيعه في مواقع محددة بعيدًا عن المدارس وأماكن تجمع الشباب، وعدم السماح ببيعه في متاجر السجائر الإلكترونية والتبغ، مع فرض قيود صارمة على الكميات المسموح بتداولها.
++ كيف تقارن خطورة غاز الضحك بالمخدرات الأخرى مثل الحشيش أو الكحول؟
من الصعب إجراء مقارنة بين المخدرات، لأن أوجه المقارنة متعددة ومتشعبة.
فهناك اختلافات من حيث تأثيرها، قوة الإدمان، سرعة التعود عليها، ومدى خطورتها على الصحة.
كما يمكن النظر إلى الإدمان من زاويتين: الإدمان الفوري الذي يحدث بسرعة، والإدمان الذي يتطور على المدى الطويل.
إضافة إلى ذلك، هناك الآثار الاجتماعية التي تختلف من مخدر لآخر، فضلًا عن عوامل أخرى مثل السعر وسهولة الحصول عليه. فكلما كان المخدر أرخص، زاد انتشاره بين المتعاطين، مما يجعله أكثر تأثيرًا على المجتمع.
لكن في النهاية، جميع المخدرات تشترك في كونها مواد تؤثر على العقل، وهذا هو السبب الأساسي في تصنيفها كمخدرات.
إلا أن تأثيرها لا يقتصر فقط على العقل، بل يمتد إلى مشاكل صحية ونفسية واجتماعية قد تكون خطيرة جدًا.
كما أن الإدمان في حد ذاته ظاهرة معقدة ومتشابكة، قد يكون الشخص مدمنًا على مادة معينة، لكنه يمر أيضًا بتجارب إدمانية أخرى مرتبطة بسلوكيات أو مواد مختلفة.
ولهذا، ليس بالضرورة أن يكون أحد المخدرات “أقوى” من الآخر بشكل مطلق، بل لكل مخدر تأثيراته الخاصة التي تعتمد على عدة عوامل.
وعليه، فإن جميع المخدرات، بغض النظر عن اختلاف تأثيراتها، يجب محاربتها والحد من انتشارها، نظرًا لآثارها المدمرة على الفرد والمجتمع.
++ كيف يمكن للمؤسسات الصحية، الحكومة، والإعلام التعامل مع هذه الظاهرة؟
أول خطوة هي إجراء دراسات شاملة لفهم الظاهرة، تشمل مدى انتشارها، أماكن التعاطي، الفئات العمرية المستهدفة، الأسباب التي تدفع الشباب والمراهقين لاستهلاكها، وأسعارها.
هذه المعطيات ستساعد في توجيه جهود الإعلام، المؤسسات الصحية، والمدارس نحو الفئات الأكثر عرضة للخطر، كما ستوضح السن الذي يبدأ فيه التعاطي لأول مرة، مما يسمح بتدخلات أكثر فعالية.
بعد جمع هذه البيانات، يأتي دور التوعية والتحسيس، وهنا لا يمكن الاعتماد على الخطاب التقليدي القائم على الأوامر مثل افعل ولا تفعل، بل يجب تبني خطاب علمي صحي موجه بلغة يفهمها الشباب.
يجب أن يكون الخطاب حوارياً وليس وعظياً، يعتمد على منصات التواصل الاجتماعي التي يتواجد بها الشباب والاعتماد على أشكال إعلامية قريبة من الشباب، مثل الفيديوهات التفاعلية، القصص المصورة، والتجارب الواقعية.
المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني يجب أن يكون لهما دور رئيسي في محاربة الظاهرة وتعبئة الجهود، عبر برامج توعوية متكاملة، تستهدف الصحة النفسية والاجتماعية للشباب، وليس فقط الوقاية من هذه المواد.
كما ينبغي تعزيز الخدمات الصحية الوقائية، بدل انتظار الشباب ليصلوا إلى مرحلة العلاج، فغالبًا ما يحتاجون إلى مرافقة وتوجيه مستمر في الصحة النفسية والتغذية والوقاية.
لا يجب أن ننتظر حتى تظهر ظواهر سلبية لنتحرك، بل يجب أن يكون الاهتمام بصحة الشباب بشكل عام، إيجابياً واستباقياً.
++ ما رسالتكم للشباب الذين يستخدمون هذا الغاز على أنه وسيلة ترفيه آمنة؟
النصيحة التي يمكنني ان اقولها للشباب أن غاز الضحك ضحك على الذقون! لا يوجد مخدر يمكن اعتباره وسيلة ترفيه آمنة.
الوسائل الآمنة هي تلك التي تفيد الجسد والعقل، مثل الرياضة، التي لم ولن يحذر أحد منها.
أما هذا الغاز، فهو بعيد كل البعد عن الأمان، إذ يسبب حروقًا، ومشاكل في القلب والجهاز العصبي، بل وقد يؤدي إلى الوفاة.
نعلم أن الدماغ يستمر في النمو والتطور حتى سن 25 عامًا، فكيف لمن يتعاطى هذه المواد في عمر 15 أو 17 عامًا ألا يتأثر بها مدى الحياة؟
أما الأسماء التي نسمعها مثل غاز الضحك أو السجائر الإلكترونية، فهي ليست سوى تسميات جذابة اختيرت بعناية من قبل المروجين لتسهيل انتشار هذه السموم بين الشباب.
الشاب الذي يشعر بأنه بحاجة لهذه المواد، عليه أن يدرك أن هناك سببًا نفسيًا أو اجتماعيًا وراء ذلك.
الحل ليس في اللجوء إلى هذه السموم، بل في الحديث مع الوالدين، الأصدقاء، أو حتى الطبيب، لتجاوز أي مشكلة قد تواجهه.
مع الأسف، ما يُروَّج له كوسائل ترفيه، هو في الحقيقة وسائل مميتة، وقد شهدنا بالفعل حالات وفاة عديدة بسببها في مختلف دول العالم.