ثقة تيفي
في تحقيق استقصائي مشترك مع الإذاعة العامة الألمانية ” زد دي إف” و “دويتشه فيله” كشفت مجلة “دير شبيغل” الألمانية عن شبكة دولية لتهريب الأعضاء البشرية تتورط فيها عدة دول، حيث يتم استغلال الفقراء في دول مثل كينيا في تجارة غير قانونية للأعضاء البشرية.

يتم بيع الأعضاء، بما في ذلك الكلى، مقابل مبالغ زهيدة لفقراء يعيشون في ظروف قاسية، في حين يدفع المرضى الأوروبيون ما يصل إلى 200 ألف يورو (ما يعادل نحو 225 ألف دولار) للحصول على أعضاء.
وقد تركز التحقيق تحت عنوان “تجارة الكلى في كينيا: الألمان يغامرون للحصول على أعضاء في سوق غير قانوني” على عمليات تهريب الأعضاء التي تتم من ألمانيا وبولندا عبر إسرائيل إلى العيادة في إلدوريت بكينيا، والتي تعد الآن مركزًا لهذه التجارة العالمية غير القانونية.
وفقًا للتحقيق، يشهد هذا السوق تدفقًا كبيرًا للأموال، حيث يقوم المرضى من دول أوروبا الغربية بدفع مبالغ ضخمة للوسطاء للحصول على أعضاء من المتبرعين في دول فقيرة مثل كينيا وأذربيجان. وقد تواصل فريق التحقيق مع مرضى ألمان لتسليط الضوء على كيفية ربطهم بشبكة كبيرة من الوسطاء والمتبرعين.

الشبكة تديرها شركات غير قانونية مثل “ميدليد”، التي تقوم بترتيب عمليات نقل الأعضاء وزراعتها بشكل غير قانوني.
ووفقًا للتحقيق، فإن المتبرعين يحصلون على بضع آلاف من الدولارات مقابل جزء من أعضائهم، بينما يذهب أغلب الأرباح إلى المهربين والوسطاء الذين يديرون هذه العمليات.
وكشف التحقيق، أن الكلى من كينيا يتم عرضها علنًا على الإنترنت، إذ يتم الترويج لها في موقع ويب مسجل في ألمانيا، مرفقًا بصورة لرجل يرتدي معطف مختبر أبيض، يزعم تقديم خدمات زراعة الكلى في وقت سريع يتراوح من أربعة إلى ستة أسابيع. وبمجرد زيارة الموقع، يتم توجيه الزوار إلى دردشات “واتساب”، حيث تبدأ العمليات التفاوضية مع وسطاء يتعاملون بأسماء غير حقيقية، ما يجعل العمليات سرية ومشوبة بالغموض.
يقف وراء هذه الشبكة شخص إسرائيلي يُدعى “بوريس وولفمان”، والذي كان ملاحقًا من السلطات الإسرائيلية منذ سنوات. ويُعتقد أنه يقود عملية تهريب الأعضاء التي تمتد عبر العديد من الدول، من بينها سريلانكا والفلبين وتايلاند وتركيا. ووفقًا للوثائق القانونية الصادرة عن المدعين العامين في تل أبيب عام 2016، فإن “وولفمان” كان قد تم تحديده كأحد قادة مافيا زرع الأعضاء غير القانونية.

يعد “ميدليد”، المملوك حاليًا لشخص يُعتقد أنه مرتبط بـ “وولفمان”، هو الوسيط الرئيس لهذه العمليات، والذي عمل لسنوات في إلدوريت بكينيا، مركزًا للعديد من عمليات التهريب. وتقع “ميدليد” في صلب الجدل الدائر حول تجارة الأعضاء غير القانونية في كينيا، حيث يُشاع أن عيادة “ميديهيال” في وسط المدينة تعد واحدة من وجهات مافيا زرع الأعضاء في المنطقة.
سواروب رانجان ميشرا ، مؤسس ورئيس مجموعة مستشفيات” ميديهيال “، انتقل، وهو طبيب نسائي هندي المولد، إلى كينيا في أواخر التسعينيات، حيث أصبح مليونيرا في مجال الأعمال الطبية. وأصبح عضوا في البرلمان في عام 2017 ، وفي نوفمبر 2024 ، عينه الرئيس الكيني رئيسا لمعهد كينيا بيو فاكس.
وفيما يتعلق بالحكومة الكينية، فقد أبدت استياءها من الوضع، لكن ضعف الرقابة على هذه العمليات يتيح للمهربين استغلال الثغرات القانونية. كما أكد التقرير الذي أعده مفتشون حكوميون في كينيا على وجود “أنشطة مشبوهة” تتعلق بالزرع غير القانوني للأعضاء، مشيرًا إلى أن عمليات زرع الأعضاء تتم بشكل غير قانوني باستخدام الأموال النقدية.
تتفاقم الأزمة الإنسانية الناتجة عن هذه التجارة، حيث يُستغل الفقر المدقع للفقراء في دول مثل كينيا، مما يعرضهم للاستغلال من قبل المهربين الذين يجني معظم الأرباح، بينما يُجبر المتبرعون على التوقيع على صفقات غير عادلة مقابل جزء من أعضائهم.
ويؤكد التحقيق أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة في الدول الغربية يعرضون أنفسهم للزرع في هذه الشبكة مقابل مبالغ مالية ضخمة، مما يطرح تساؤلات أخلاقية عن استغلال الأشخاص الضعفاء في هذا السوق غير القانوني.
وفي الوقت الذي تواجه السلطات الألمانية تحديات في مواجهة هذه التجارة عبر الحدود، فإن التحقيق يبرز أيضًا الحاجة الملحة إلى تعزيز التنسيق الدولي لمكافحة تجارة الأعضاء غير القانونية وضمان حقوق الأفراد المهددين بالاستغلال.
يكشف هذا التحقيق، الذي استمر عدة أشهر، النقاب عن واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إثارة للجدل، إذ يشير إلى ضرورة تطوير التشريعات الدولية لمكافحة تجارة الأعضاء البشرية وحماية حقوق الأفراد في مواجهة هذه الظاهرة المتزايدة في جميع أنحاء العالم.