سناء القويطي
لفت الفيلم الوثائقي “نساء في مهب الريح” لمخرجه عز العرب العلوي الانتباه خلال عرضه في مسابقة الفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ 23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة المنظمة تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس والتي اختتمت في 4 نونبر الجاري.
ويحكي الفيلم، الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية ومدته 52 دقيقة، حكاية ثلاث معلمات تم تعيينهن في مناطق نائية من المغرب العميق لتبدأ معاناتهن مع قساوة الطبيعة. الفيلم يوثق مأساة إنسانية لمعلمات كن يحلمن بمزاولة أنبل مهنة، فوجدن أنفسهن متخلى عنهن في مناطق منسية.
وعز العرب العلوي هو مخرج سينمائي وسيناريست مغربي وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، هو أول من حصل على دكتوراه في السينما بالمغرب، ويرأس مركز سجلماسة للدراسات والأبحاث السمعية البصرية.
أخرج العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية أبرزها أفلام “ايزوران” و “أندرومان” و “كيليكس دوار البوم” و”بيت من زجاج” و”الرقاص”، وأخرج أكثر من خمسين فيلما وثائقيا لقنوات وطنية ودولية إلى جانب انشغاله بالتأليف في مجال الثقافة السينمائية.
في هذا الحوار مع موقع “ثقة تي في” يتحدث عز العرب عن فيلمه “نساء في مهب الريح” وعن جديد أعماله وواقع الفيلم الوثائقي في المغرب:
- شهد مهرجان الفيلم بطنجة عرض فيلمكم الوثائقي “نساء في مهب الريح” ما الذي جذبك لهذا الموضوع؟
المواضيع التي تحاكي معاناة الإنسان والفئات المهمشة والضعيفة في المجتمع هي الثيمة التي أشتغل عليها غالبا في أفلامي، سواء الروائية أو الوثائقية. والمرأة وكل ما يعنيها هي أحد أهم المواضيع التي عالجتها في أعمالي الوثائقية، فحاولت الوقوف على وضعها في الجبال، وكيف تسعى للخروج من عزلتها سواء من خلال عملها في التعاونيات، أو في ظل ندرة المياه، وفي الظروف التضاريسية والمناخية الصعبة…
ولعل قضية المعلمات في المناطق النائية من المواضيع التي طرحت نفسها دائما في مجتمعنا إعلاميا ودراميا وسينمائيا أيضا، وبحكم وجود حكايا لمعلمات في الأسرة وبين عوائل الأصدقاء والجيران، ونماذج أخرى أصادف أخبارها في الصحف والتلفزيون، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كان لابد من مقاربة القضية ومعالجتها بصريا على شكل فيلم وثائقي يعايش تجربة ثلاث فتيات من أعمار مختلفة، ومن وضعيات اجتماعية مختلفة. فقدمت حكاية شابة في أول تجربة تعليمية لها بعيدا عن أسرتها، وتجربة معلمة قضت سنوات في التعليم والتنقل عبر وسائل النقل بشكل يومي نحو البادية قبل أن تحصل على السكن الإداري، وتجربة معلمة أم وزوجة تعيش بعيدا عن زوجها، ويعيش معها طفلاها غربة المعيش في قرية نائية.
- كيف اخترت القصص المروية في هذا الفيلم؟
حرصت على اختيار ثلاث حالات تختلف في العمر والبيئة القادمة منها، وتلتقي في نفس المعاناة، قصص تعرفت عليها من خلال بعض المعارف والأصدقاء، وصادفت بعضها خلال تصوير وثائقيات أخرى، فجاءت الفكرة أن أصور معهن وأنقل تجاربهن ومعاناتهن وثائقيا، بعد موافقتهن وموافقة أسرهن.
- عاينت عن قرب معاناة المعلمات وقد نقلت جانبا منها في الفيلم الوثائقي، ما المطلوب في نظرك لتحسين ظروف عمل هؤلاء المعلمات؟
ما يتطلب توفيره لهؤلاء المعلمات هو نفس ما يجب وجوده لتحسين وضعية سكان القرى والمناطق النائية والجبلية، من توفير وزيادة لوسائل النقل وتحسين ظروف العيش الكريم وتوفير الماء الصالح للشرب كي تكون صالحة للعيش فيها، واستقبال معلمات ومعلمين أيضا، ممن يتم تعيينهم في مناطق بعيدة عن بيوتهم وعن المدن. فيتطلب توفير سكن لائق لهن ولهم، وتحسين ظروف العمل وتوفير ما يحتاجونه من تجهيزات وإمكانيات تُسهل عملية التدريس والتمدرس.
كما يستحسن تمكين المتزوجات منهن، وخاصة من قضين فترات طويلة في التعليم في قرى نائية، من سهولة الانتقال لمنطقة قريبة لبيت الزوج ولم لا لنفس المدينة، لأن المشكلة ستتفاقم وتتجاوز صعوبة الحياة في قرية نائية إلى نوع آخر من المشاكل الاجتماعية المتمثلة في التشرذم الأسري والتمزق، مثل حالة الأستاذة وطفليها في وثائقي نساء في مهب الريح.
- ما هو جديدك الفني؟
أنهيت منذ ستة أشهر تصوير فيلمي السينمائي الطويل الثالث بعنوان “أفريكا بلانكا”، وهو حاليا في مرحلة ما بعد الإنتاج.
- كيف تقيم وضعية الفيلم الوثائقي بالمغرب؟
أصبح هناك وعي كبير بأهمية الفيلم الوثائقي سواء لدى المخرجين وجيل المتخرجين الجدد من المعاهد والمدارس العليا للسينما بالقطاعين العام والخاص، أو من طرف المؤسسات الرسمية والمركز السينمائي المغربي حيث صار يلقى عناية واهتماما كبيرين لما له من دور محوري في نقل الواقع ومعالجته وفق رؤى مختلفة باختلاف مرجعيات المخرجين ومدارسهم الفكرية التي نهلوا منها.
وعموما يمكن القول إن هناك تباين بين نوعية الأفلام الوثائقية المنتجة في المغرب، فالبعض يتناول الحياة اليومية كما هي دون الخروج عن المألوف ودون إثارة إشكاليات كبيرة تُسائل الجمهور المتلقي وتجعله يطرح علامات استفهام.
لكن البعض الآخر يطرح ثيمات ويعالجها بجرأة كبيرة، ويحفر عميقا في المناطق المعتمة لتسليط الضوء على المسكوت عنه، ومراجعة الذات وحفظ الذاكرة الوطنية الشعبية والجماعية، وفق تناول يُبين امتلاك صاحبه لرؤية واقعية وإبداعية ناقلة لأحداث وآلام وآمال المغاربة، وتوفره على هم فكري يتبنى من خلاله مشروعا فنيا.
لكن تبقى وضعية الفيلم الوثائقي في المغرب بعيدة عن الاحترافية ما دمنا لا نتوفر على قناة وثائقية وعلى صناديق دعم خاصة تملك روح المغامرة لاقتحام مجال الفيلم الوثائقي.