منعت مدارس فرنسية، في أول يوم من العام الدراسي، عشرات الفتيات من الالتحاق بأقسامهن وأعادتهن الى منازلهن بعد رفضهن خلع عباءتهن قبل الولوج إلى المؤسسات، حسب ما أعلن وزير التعليم الفرنسي غابرييل أتال أول أمس الاثنين.
وقال المسؤول الفرنسي، إنه تم توجيه رسالة إلى عائلات الفتيات اللواتي منعن من دخول المدرسة تقول إن “العلمانية ليست قيدا، إنها حرية”.
وفي وقت دعا فيه وزير التربية الفرنسي لارتداء زي موحد في المدارس الحكومية، ذكر في تصريحات صحفية “لا أريد أن أتمكن من التعرف على ديانة الطالبات في المدارس من خلال النظر إلى ملابسهن”.
ولم يمض على تربع أتال على وزارة التربية أكثر من شهر فقط، حتى سارع إلى جعل العباءة أولى معاركه، واعتبرها «زياً إسلامياً ينتهك قوانين العلمانية الصارمة المطبقة في مجال التعليم في فرنسا».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا الجمعة الماضي إلى الحزم في تطبيق حظر العباءة، وقال -خلال زيارته ثانوية جنوبي فرنسا- “لن ندع أي شيء يمرـ نعلم أنه ستكون هناك حالات جراء الإهمال ربما، وهناك أيضا حالات كثيرة لمحاولة تحدي النظام الجمهوري. علينا أن نكون حازمين”.
غير أن القرار أثار معارضة الجمعيات الإسلامية التي تقدمت بشكوى ضد حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد قرار حظر العباءة في المدارس، بدعوى انتهاكها للحريات الأساسية.
ورأى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن القرار “تعسفي”، وقال إنه يحق له اتخاذ إجراءات قانونية “إذا أدى التطبيق الملموس لهذا الحظر إلى أشكال من التمييز”، مضيفا أن العباءة “لم تكن أبدا لباسا أو دليلا دينيا”.
من ناحية أخرى، قال فنسنت برينغارث -محامي منظمة “حركة حقوق المسلمين” على منصة إكس (تويتر سابقا)- إنهم قدموا استئنافا إلى مجلس الدولة لطلب تعليق حظر العباءة في المدارس، مشيرا إلى أن القانون “ينتهك العديد من الحريات الأساسية”.
من جهتها، اعتبرت النقابة الرئيسية في التعليم الثانوي (المدارس المتوسطة والثانوية) أن «كل هذا التركيز على العباءة هو أمر غير متكافئ»، وقالت الأمينة العامة للنقابة، صوفي فينيتيتاي، أن «العباءة ليست المشكلة الرئيسية لبداية العام الدراسي الجديد، والتي تتمثل في الأعداد في الصفوف، ونقص المعلمين».
لكن الأمين العام للنقابة الوطنية لموظفي إدارة التعليم الوطني برونو بوبكيويتز، قال إن «التعليمات لم تكن واضحة، الآن هي كذلك ونحن نرحب بذلك”.
وفي مقابلة خصت بها إذاعة «فرانس إنفو»، أكدت آن لور زويلينغ، الباحثة في أنثروبولوجيا الأديان بالمركز الوطني للبحوث العلمية، أن العباءة ليست لباسًا مرتبطًا مباشرة بعبادة المسلمين بل «بالثقافة»، معتبرة أنه «لو كانت العباءة لباسًا دينيًا، لوجب على جميع النساء المسلمات ارتدائها».
وفي حديثه لوكالة «فرانس برس»، يرى هواس سنيغير المحاضر في المعهد الأوروبي للدراسات السياسية في ليون والمتخصص في الشؤون الإسلامية، أن أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان ارتداء العباءة دينيًا أم لا، «هو معرفة المعنى الذي يعطيه هذا الثوب من قبل أولئك الذين يرتدونه».
على الصعيد السياسي، لاقى قرار الحكومة حظر العباءة في المدارس ترحيباً واسع النطاق داخل الأغلبية الحاكمة، وكذلك من أحزاب اليمين التي كانت تطالب بهذا الإجراء.
وفي الوقت الذي رحّب جزء من أحزاب اليسار بهذا القرار، أعلن حزب «فرنسا الأبية» أنه «معاديا للإسلام» وتوعد بالطعن في القرار أمام مجلس الدولة.
ورأى حزب « الخضر» (أنصار البيئة) في قرار الوزير، هدف «إثارة جدل عميق لصرف الانتباه عن سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون في تفكيك المدارس العامة».
جدل لاينتهي
كانت فرنسا سلكت طريق الفصل بين الدين والدولة مع قانون العلمانية عام 1905، وتم حظر ارتداء الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة لأول مرة في فرنسا عام 1989.
في 15 مارس عام 2004، صدر قانون “يحظر في المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية ارتداء العلامات أو الملابس التي يظهر بها الطلاب ظاهريًا انتماءً دينيًا”.
ويحدد منشور بتاريخ 18 ماي 2004 ، أن “العلامات والأزياء المحظورة هي تلك التي يؤدي ارتداؤها إلى التعرف الفوري على الانتماء الديني للشخص، مثل الحجاب الإسلامي، أيًا كان اسمه، أو الطاقية اليهودية أو الصليب الظاهر بشكل واضح”
في عام 2010، حظرت ارتداء الملابس التي تغطي الوجه بالكامل مثل البرقع والنقاب في الأماكن العامة. وكانت القوانين تهدف في البداية إلى إزالة التأثير الكاثوليكي التقليدي من المؤسسات التعليمية الحكومية. لاحقا حدثت الحكومة هذا القرار ليشمل أدياناً أخرى؛ إذ إن القوانين تحظر وضع غطاء الرأس اليهودي (القلنسوة اليهودية)، والصلبان الكبيرة، من بين علامات دينية أخرى.
واتخذت فرنسا العديد من القرارات المناهضة للمسلمين منذ العام 2021، الذي تمت فيه المصادقة على قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية، الذي يوصف بالانفصالي لأنه يهمش المسلمين.
وأيّد مجلس الدولة الفرنسي في يونيو الماضي، قرار حظر ارتداء لاعبات كرة القدم الحجاب في المنافسات التي يُنظمها الاتحاد الفرنسي لكرة القدم.
هذا، ويعيش في فرنسا نحو 5 ملايين مسلم، ويمثّلون 9 % من السكان وفق إحصاءات متعدّدة، ما يجعل من الإسلام ثاني الديانات الكبرى في البلد ومن مسلمي فرنسا الأكبر عددا في أوروبا.