معركة القارات: كيف بدأت “فيفا” في إقامة كأس العالم للأندية؟

تستعد الولايات المتحدة لاحتضان نسخة محدثة من كأس العالم للأندية منتصف يونيو 2025، في خطوة تمثل تطورًا طبيعيًا لبطولة على مدى أكثر من 40 عامًا.

ويُنظر إلى هذه البطولة كامتداد أيديولوجي لكأس الإنتركونتيننتال، التي شكّلت منذ عام 1960 ساحة تنافسية شرسة بين أبطال أوروبا وأمريكا الجنوبية.

وقد سلّطت صحيفة “فيدوموستي” الروسية الضوء، على تاريخ هذه البطولة وكيف نشأت وتطوّرت وصولًا إلى صيغتها الحالية المنتظرة عام 2025. “ثقة تيفي” أعدت التقرير التالي.

++  النشأة: من باريس إلى مونتفيديو

في خمسينيات القرن الماضي، أصبحت كرة القدم لعبة كونية، وبدأت تظهر البطولات القارية مثل دوري أبطال أوروبا عام 1955 وكأس ليبرتادوريس عام 1960.

ومن هذا الزخم، نشأت فكرة جمع بطلي القارتين في كأس واحدة، تجسدت أولاً في بطولة باريس عام 1957 التي نظمتها إدارة سباق الخيول الفرنسية.

شارك في البطولة أربعة فرق: ريال مدريد (الفائز بكأس أوروبا)، وروت فايس (بطل ألمانيا الغربية)، والبرازيلي فاسكو دا جاما (الفائز ببطولة الأندية في أمريكا الجنوبية، السلف لكأس ليبرتادوريس)، بالإضافة إلى الفريق المنظم راسينغ الذي كان قد حل رابعًا في البطولة الفرنسية في الموسم السابق.

بدأت البطولة من نصف النهائي، وفي المباراة الحاسمة تغلب فاسكو دا جاما على ريال مدريد، ليُعتبر حينها “بطل العالم للأندية” حسب وسائل الإعلام.

لكن غياب إشراف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والاتحاد الأمريكي الجنوبي لكرة القدم على البطولة أفقدها زخمها وأهميتها.

سرعان ما التقط جواو هافيلانج، رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، الفكرة ونسق مع الصحفي الفرنسي جاك جوديه ورئيس ريال مدريد سانتياغو برنابيو لتأسيس بطولة رسمية.

وفي عام 1960، وُلدت كأس الإنتركونتيننتال، رغم رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الاعتراف بها، معتبرًا إياها مجرد سلسلة من المباريات الودية.

في القرعة الأولى لكأس الإنتركونتيننتال، التقى ريال مدريد مع بينارول الأوروغوياني، وفاز الفريق الأوروبي بفضل الانتصار على أرضه في مدريد. ولم تكن نتائج المباريات تُلخص آنذاك.

على سبيل المثال، في عام 1961، خسر بينارول أمام بنفيكا في لشبونة، لكنه عاد وحقق فوزًا كبيرًا 5-0 في مونتيفيديو. لذا، كانت هناك حاجة لإقامة مباراة فاصلة ثالثة، عُقدت في العاصمة الأوروغويانية، حيث فاز المضيفون 2-1. بشكل عام، كان لميزة اللعب على أرض الفريق المضيف أهمية كبيرة في تلك الفترة.

كانت الرحلة بين أوروبا وأمريكا الجنوبية تستغرق حوالي 20 ساعة، مع محطات توقف للتزود بالوقود في إفريقيا أو جزر الكناري أو منطقة البحر الكاريبي أو الولايات المتحدة. طول الطريق، والاضطراب الجوي، وصعوبة التأقلم جعلت الفوز في المباريات خارج الأرض تحديًا كبيرًا.

وبالفعل، تمكن بينارول لأول مرة من تحقيق هذا الإنجاز عام 1966 عندما هزم ريال مدريد في مدريد.

++ معارك دامية وجدل سياسي

مع مرور الوقت، أصبحت المباريات بين أبطال أوروبا وأمريكا الجنوبية محط أنظار العالم، لكنها لم تخلُ من التوتر والعنف. ومن أبرز هذه الأحداث ما وقع عام 1969 في مواجهة ميلان الإيطالي وإستوديانتس الأرجنتيني.

شهدت المباراة الثانية في بوينس آيرس أعمال عنف مروعة، حيث تعرض المهاجم الفرنسي نيستور كومبين لإصابات خطيرة، كما تم اعتقاله بعد المباراة بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية في الأرجنتين.

الهزيمة 0-3 خارج أرضهم لم تترك للأرجنتينيين فرصة تذكر للنجاح النهائي. وفي ملعب بومبونيرا، ساء الوضع أكثر لصالح أمريكا اللاتينية: في الدقيقة 30، استقبلوا هدفًا من جياني ريفيرا، ورد إستوديانتس بهدفين قبل الاستراحة، لكن كان واضحًا أن الكأس ستذهب إلى ميلان.

ثم بدأت أحداث عنف واسعة على أرض الملعب. لعب الأرجنتينيون بأسلوب عنيف، وكان المهاجم الفرنسي نيستور كومبين هو الهدف الرئيسي للاعتداءات. لم يُنسى هدفه في المباراة الأولى، كما تم استهداف أصله: وُلد كومبين في الأرجنتين، لكنه بدأ مسيرته في أوروبا، وفي عام 1964 اختار اللعب مع المنتخب الفرنسي.

في بوينس آيرس، تعرض كومبين لكدمات وجروح عديدة، منها ركلة من حارس مرمى إستوديانتس، ألبرتو بوليتي، على رأسه، وكسر المدافع رامون أغيري سواريز أنفه وعظم وجنته. كما تعرض ريفيرا للانتقام، حيث فقد مهاجم ميلان بيرينو براتي وعيه بعد أن تعرض لإصابة على يد بوليتي.

وبسبب هذه الأحداث، أنهى ميلان المباراة بتسعة لاعبين فقط. طلب براتي استبدالًا، وبحلول الوقت الذي أصيب فيه كومبين وريفيرا، كان الحد الأقصى للاعبين البدلاء قد استُنفد. ولم يبدو أن الحكم التشيلي أرتور ماسارو لاحظ الانتهاكات المتعمدة من جانب الأرجنتينيين. إذ تجاهل الأخطاء الطفيفة والإهانات المستمرة والبصق، لكنه رد على التصرفات الأكثر وضوحًا بإشهار بطاقتين حمراوين وإخراج لاعبين من إستوديانتس.

لم تتغير النتيجة في النهاية، حيث خسر ميلان المباراة لكنه فاز بالكأس. ومع ذلك، لم يستطع الجميع الاحتفال بالنصر بشكل طبيعي.

فورانتهاء المباراة، احتجزت الشرطة نيستوركومبين، بسبب تهربه من الخدمة العسكرية في الأرجنتين. اضطر الدبلوماسيون الفرنسيون للتدخل لإعادة اللاعب إلى باريس.

في تلك السنوات، كانت الأرجنتين تحكمها حكومة الجنرال الاستبدادي خوان كارلوس أونغانيا، وكانت تمر بأزمة داخلية متصاعدة.

لذا، اعتبر أونغانيا انتصارإستوديانتس وسيلة لصرف انتباه المواطنين عن المشاكل الداخلية. لكنه لم يكن مستعدًا لهزيمة فريقه، فأمر بمعاقبة اللاعبين بحجة محاربة السلوك العنيف في الملعب.

سُجن سواريز وبوليتي والمدافع إدواردو مانيرا لمدة شهر، وحتى دون محاكمة. وعند إطلاق سراحهم، تم استبعادهم من اللعب؛ فقد تلقى بوليتي عقوبة الإيقاف مدى الحياة، كما حُظر سواريز لمدة 5 سنوات، وواجه آخرون إيقافات لعشرات المباريات.

لكن هذه العقوبات كانت قاسية على الورق فقط، إذ أُلغيت معظمها لاحقًا، وعاد بوليتي للعب في نهاية المطاف.

++  الانسحابات والإصلاحات

تسببت القرعة الفاضحة لعام 1969 في إلحاق أضرار جسيمة بسمعة البطولة. ففي حين وافق الفائز بكأس أوروبا عام 1970، الهولندي فينورد، على مواجهة إستوديانتس، قاطع أياكس نسخة عام 1971 احتجاجًا على عنف الأرجنتينيين، كما فضلت أندية أوروبية أخرى تجنب المشاركة لأسباب مالية وصحية.

تم تعويض غياب الهولنديين في المواجهة مع نادي “ناسيونال” الأوروغوياني بظهور الفريق اليوناني “باناثينايكوس”، الذي تأهل من تصفيات البطولة الأوروبية. ونتيجة لذلك، ذهب الكأس إلى أمريكا الجنوبية.

في عام 1972، شارك أياكس أمستردامرز في كأس الإنتركونتيننتال وهزموا فريق الاستقلال الأرجنتيني، رغم أن المباراة شهدت إصابة خطيرة للاعب يوهان كرويف إثر خطأ فادح من أحد الخصوم. تجاهل أياكس السحب التالي، ولعب يوفنتوس بدلاً منه، وفي عام 1974 قاطع بايرن ميونيخ البطولة (وحل محله أتلتيكو مدريد)، وفي عام 1975 لم تتفق الأندية (بايرن ميونيخ وإندبندينتي) على مواعيد المباريات.

فقد الأوروبيون تدريجيًا الاهتمام بالبطولة، ورفضوا المشاركة بانتظام، إذ لم يروا فيها فوائد مالية كافية، كما خشوا على صحة لاعبيهم واعتبروا السفر لمسافات طويلة أمرًا غير مجدٍ.

في عام 1980، جرت إصلاحات على كأس الإنتركونتيننتال: اتفق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والكونميبول على إقامة مباراة واحدة فقط، وتم اختيار طوكيو كمكان للمباراة. في الوقت نفسه، أصبح للبطولة راعٍ دائم هو شركة تويوتا، التي أُعيدت تسمية الكأس على شرفها. ومنذ ذلك الحين، توقفت المقاطعات من الأندية.

باستثناء عام 1993، عندما لم يتمكن فريق مرسيليا، حامل لقب دوري أبطال أوروبا، من المشاركة بسبب استبعاده من جميع البطولات الدولية إثر قضية رشوة في الدوري الفرنسي، فشارك ميلان بدلاً منه في اليابان.

++  فيفا تدخل على الخط

بحلول نهاية القرن العشرين، فقدت كأس الإنتركونتيننتال أهميتها. لم يعد المشجعون يرون في المباريات التي تُقام في طوكيو البعيدة حدثًا ذا قيمة حقيقية.

وبرزت تساؤلات حول مصداقية لقب بطل العالم للأندية، الذي يُمنح للفائز، رغم أن المسابقة كانت تقتصر على فرق من قارتين فقط.

وعلى الرغم من أن كرة القدم أصبحت عالمية منذ فترة طويلة، إلا أن المنظمين ما زالوا يتجاهلون آسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا.

حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) معالجة هذه النقائص، فأنشأ في يناير 2000 بطولة جديدة هي كأس العالم للأندية.

شهدت البطولة مشاركة فريقين أوروبيين (ريال مدريد، حامل لقب كأس الإنتركونتيننتال 1998، ومانشستر يونايتد، الفائز بدوري أبطال أوروبا 1999)، إضافة إلى البرازيلي فاسكو دا جاما (بطل كأس ليبرتادوريس 1998) وكورينثيانز (بطل البلد المضيف)، بالإضافة إلى أندية من المكسيك وأستراليا والمغرب، وكلها الأفضل في مناطقها.

كما حصل النصر السعودي على بطاقة المشاركة بصفته بطل كأس السوبر الآسيوي، وليس عبر دوري أبطال آسيا المحلي الذي توّج به الكوري الجنوبي بوهانج.

تم تقسيم الفرق الثمانية إلى مجموعتين، حيث تلاقى الفائزان في النهائي، وتنافس الوصيفان على المركز الثالث. وذهب اللقب في النهاية إلى كورينثيانز.

ولم تختفِ كأس الإنتركونتيننتال من جدول البطولات، مما أدى إلى حالة من التداخل مع وجود بطولتين تتنافسان على لقب أقوى فريق في العالم. إلا أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) والكونميبول عرضا على الأندية إقامة قرعة أقصر، إضافة إلى امتلاك كأس الإنتركونتيننتال لتاريخ وتقاليد عريضة.

واجه الفيفا مشاكل كبيرة في تنظيم النسخة الثانية من كأس العالم للأندية بسبب إفلاس الشركة الراعية “إنترناشيونال سبورت آند ليجر” قبل أن تتورط في فضيحة فساد.

وبعد عدة سنوات، عاد الفيفا إلى فكرة البطولة، لكنه وافق مبدئيًا على دمجها فعليًا مع كأس الإنتركونتيننتال.

في عام 2004، أقيمت آخر نسخة من كأس الإنتركونتيننتال، وبعد عام استضافت اليابان النسخة الثانية من كأس العالم للأندية، التي حققت نجاحًا أكبر بكثير من نسخة عام 2000.

++ الدمج وبداية عهد جديد

بحلول عام 2005، دُمجت كأس الإنتركونتيننتال وكأس العالم للأندية تحت مظلة “فيفا”، لينطلق مسار جديد أكثر شمولًا وتمثيلًا لقارات العالم.

ومنذ ذلك الحين، تطورت البطولة تدريجيًا لتصل في 2025 إلى صيغة موسعة تقام في الولايات المتحدة، بمشاركة 32 فريقًا من جميع القارات، ما يمثل تتويجًا لحلم دام أكثر من أربعة عقود.

بهذا، لا تمثل النسخة المقبلة مجرد بطولة جديدة، بل صفحة تاريخية في قصة طويلة من التنافس، العنف، السياسة، والاندماج الكروي العالمي.

إعداد: ثقة تيفي

أضف تعليقك

Leave A Reply

Exit mobile version