كأس العالم للسيدات 2023: المغرب و ثورة كرة القدم النسائية

أتثبت النساء المغربيات، أنه ليس الرجال فقط هم من يستمتعون بأضواء كأس العالم، وسيكون الأمر مبتذلاً، إذا كان مجرد التنافس في كأس العالم للسيدات هذا العام، كان بالفعل انتصاراً للمغرب فقط.  فحتى الآن، يؤكد التأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للسيدات المقام بأستراليا ونيوزيلندا، أنه كان شيئًا آخر تمامًا، كان هو التاريخ لكرة القدم النسائية المغربية.

في أعقاب نظرائهم الذكور، الذين أذهلوا العالم، من خلال الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر، أظهرت “لبؤات الأطلس”،  أن المغرب يمكن أن يكون قوة في لعبة السيدات أيضًا. 

لقد تأهل المنتخب المغربي  للمونديال النسائي، بعد بلوغه نهائي كأس الأمم الأفريقية للسيدات العام الماضي 2022، الذي استضافها على أرضه. ومن خلال أخذ مكانه إلى جانب نخبة المنتخبات العالمية في أستراليا ونيوزيلندا، حصل على امتياز تاريخي، بأن أصبح أول دولة من العالم العربي تتأهل لحدث كأس العالم للسيدات في كرة القدم، الذي يتنافس فيه على اللقب 32 فريقًا.

كانت عميدة المنتخب، غزلان الشباك، قالت للصحفيين قبل البطولة: “يشرفنا أن نكون أول دولة عربية تشارك في كأس العالم للسيدات، نشعر أنه يتعين علينا تحمل مسؤولية كبيرة لإعطاء صورة جيدة”.

ومع ذلك، كان ظهورهن الأول في المباراة الافتتاحية ضد ألمانيا المصنفة رقم 2 عالميا، أمرًا يستحق النسيان، حيث ظهرت رفيقات  غزلان الشباك بوجه شاحب للغاية أمام رفيقات “أليكساندرا بوب”، وانهزمن أمام “الماكينات” الألمانية بستة أهداف لصفر. عندها، كشفت النتيجة عن الفجوة الكبيرة بين أوروبا وبقية العالم، والتي توجد الآن بشكل متزايد في لعبة السيدات، وليس فقط في لعبة الرجال.

لكنهن ضد كوريا الجنوبية، عندما وجدت رأسية المهاجمة “ابتسام الجريدي” طريقها إلى شباك الحارسة الكورية “كيم يونغ مي” في الدقيقة السادسة فقط، تم صنع المزيد من التاريخ. حيث سجلن ليس فقط هدفهن المونديالي الأول، ولكن أيضًا فوزهن الأول على الإطلاق في أول مشاركة لهن بهذه البطولة.  

كانت هناك دموع فرح في الملعب وفي المدرجات، ولا شك بين أعداد لا حصر لها من المغاربة الذين استيقظوا على خبر هذا الفوز في مباراة جرت في الساعة الخامسة والنصف صباحا بتوقيت المغرب.  

أعاد هذا الانجاز لاعبات ” رينالد بيدروس” إلى المنافسة، وأحيا أملا كان يبدو على الورق مستحيلا، ومهمة صعبة للغاية.  لكنهن حقّقَن مفاجأة مدوّية في أول مشاركة لهن، بإنجاز تاريخي غير مسبوق لكرة القدم النسائية العربية، إثر تأهلهن إلى ثمن نهائي البطولة، وضرب لهن موعداً مع المنتخب الفرنسي، يوم الثلاثاء المقبل.  

وكان المدرب الفرنسي “رينالد بيدروس” الذي يقود كتيبة النساء المغربيات في أول كأس عالم لهن على الإطلاق في أستراليا ونيوزيلندا، بعد أن صنع التاريخ في كأس إفريقيا الأخيرة، يعلم أكثر من غيره أن هذه الأيام في العرس العالمي للسيدات، هي أيام مشوقة لمشجعي كرة القدم في البلاد – ذكورًا وإناثًا.

في دجنبر من العام الماضي، حقق أسود الأطلس، إنجازا تاريخيا في قطر، بأن أصبحوا أول دولة إفريقية وعربية تصل إلى نصف نهائي كأس العالم، كما تم تأمين التأهل الأولمبي القادم في “باريس 2024″، بفضل الفوز بكأس الأمم الأفريقية لكرة القدم تحت 23 عامًا. 

لكن الاستثمار الأخير الذي ساعد في تعزيز هذه الإنجازات في كرة القدم الرجالية، هو نفسه الذي يسمح أيضًا للسيدات بالتألق. فبعد أن حجزن مكانهن في كأس العالم من خلال احتلالهن المركز الثاني في كأس الأمم الأفريقية للسيدات العام الماضي، وهو أفضل أداء على الإطلاق في المسابقة،  هن اليوم يبصمن على أداء تاريخي في البطولة العالمية.

فلماذا تزمجر “لبؤات الأطلس” بصوت أعلى من أي وقت مضى؟

في عام 2009، دشن الملك محمد السادس أكاديمية كرة القدم المغربية الجديدة خارج مدينة سلا، بكلفة ناهزت حوالي 140 مليون درهم، فكانت اللبنة الأولى لخطة طويلة الأمد يدعمها ويمولها صاحب الجلالة، من أجل تخريج لاعبين شباب – فتيان وفتيات – قادرين على إعادة تشكيل كرة القدم المغربية.

ثم كان أيضًا التركيز على بناء مئات الملاعب عالية الجودة في جميع أنحاء البلاد، بلغ ذروته عام 2019، عندما افتتح الملك محمد السادس، منشأة أخرى تحمل اسمه: “مجمع الملك محمد السادس الرياضي”، قرب العاصمة الرباط، وهو أحد المراكز التابعة لـ “المعهد الملكي للتدريب التنفيذي”. 

تم تجهيز هذا المجمع ببنية تحتية ومعدات على أحدث طراز، بقيمة 63 مليون يورو، أنشئ على مساحة تقدر بحوالي 29.3 هكتاراً، ويضم تجهيزات رياضية متطورة على مستوى التدريب البدني والطب الرياضي، وكذا التدليك وتطوير اللياقة البدنية، بما يتماشى مع معايير الفيفا، مما يجعله واحدًا من أكبر المجمعات في العالم.

كما تعمل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، على جعل البلاد واحدة من معاقل كرة القدم الإفريقية، حيث خصصت موارد كبيرة لكرة القدم النسائية، التي تزايد الاهتمام بها في العامين الماضيين، على وجه الخصوص. 

إذ أطلقت الجامعة، مشروعًا لتكوين 1000 مدربة و90 ألف ممارسة بحلول سنة 2024، وأعلنت عن استراتيجية وطنية لزيادة عدد ممارسات كرة القدم النسوية بـ3 أضعاف، وهو الأمر الذي سيمثل منعطفًا في تاريخ كرة القدم النسوية الوطنية، وبداية عهد جديد من الاحتراف.

وأطلق المغرب بالموازاة، خطة إطلاق بطولة احترافية للدرجتين الأولى والثانية، وإنشاء بطولة وطنية تحت 17 و15 عامًا، وبطولات إقليمية للفئات الصغرى في جميع أنحاء البلاد، مع زيادة عدد اللاعبات وتزويدهن بعقود احترافية تضمن استقرارهن المالي، ولتحقيق هذه الأهداف، ارتفعت الميزانية السنوية لكرة القدم للسيدات إلى 65 مليون دولار. 

وقد توجت الدينامية التي تشهدها كرة القدم النسوية، بإنجازين كبيرين: تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم النسوية، لأول مرة في تاريخه لنهائيات كأس العالم 2023، وتتويج فريق الجيش الملكي باللقب القاري.

فقبل استضافة كأس الأمم الأفريقية للسيدات العام الماضي للمرة الأولى، تأهل المغرب للبطولة مرتين (1998 و2000)، وفاز مرة واحدة فقط من بين ست مباريات، سجل خمسة أهداف، واستقبلت شباكه 22 هدفا.  

وعلى أرضه، وصل إلى المباراة النهائية، في يوليوز الماضي،  ضد جنوب أفريقيا في سابقة من نوعها، ولعب أمام أكثر من 50 ألف مشجع لأول مرة، فيما هنأ الملك  محمد السادس في اتصال هاتفي أعضاء منتخب بلاده للسيدات على أدائهن.

” عاصرت أشياء لم أرها من قبل.. ملعب مليء بالمشجعين و محبي كرة القدم.. أعيش حلما “، هذا ما قالته عميدة المنتخب المغربي غزلان الشباك، التي كان والدها جزءًا من المنتخب المغربي الوحيد الفائز ببطولة كأس الأمم الأفريقية للرجال عام 1976.

هذا التألق الأفريقي للبؤات الأطلس، رافقه التأهل لبطولة كأس الأمم الأفريقية المرتقبة في 2024، ومنتخب المغرب للفتيات تحت 17 سنة، ظفر هذه السنة بأول تذكرة له للمشاركة في نهائيات كأس العالم التي ستقام في الهند هذا العام.

ورغم ذلك، لم يبتعد  الجميع عن وجهة النظر القائلة بأن كرة القدم للرجال وليس النساء، لكن المراقبين يرون في هذا الإنجاز، بأنه انتقال لكرة القدم للسيدات في المغرب إلى مرحلة جديدة، إذ من المرجح جدا أن يدفع إلى تعزيز شعبية كرة القدم النسائية في العالم العربي، و يفتح آفاقا أرحب لممارسات هذه الرياضة وجمهورها. 

أضف تعليقك

تعليقان

Leave A Reply

Exit mobile version