حتى لا تضيع الطبقة الصغيرة والمتوسطة في العالم القروي

عزيز رباح

بعد إعطاء جلالة الملك حفظه الله، في بداية انعقاد المجلس الوزاري الأخير، تعليماته الصارمة لإعداد وتنزيل برنامج استعجالي لتنمية قطاع الماشية وإعادة بناءه، عرض رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد القادر أعمارة، في ندوة صحفية يوم الأربعاء 14 ماي 2025 تقريرا مفصلا حول الفلاحة الصغيرة والمتوسطة، تضمن مؤشرات وتوصيات تتعلق بالتهديدات والتحديات التي وجب التفاعل معها بالجدية اللازمة.

حيث بين التقرير أن هذا النمط الفلاحي والمعروف أيضا بـالفلاحة المعيشية أو الاجتماعية والتضامنية، يشكل حوالي 70% من مجموع الاستغلاليات الفلاحية وتُشغّل نصف اليد العاملة الفلاحية 50% وتضطلع بأدوار محورية في التنمية القروية.

لكن رغم ذلك لم تُدمج بالشكل الكافي والناجع في مسلسل التنمية الفلاحية، وظلت على الهامش مقارنة بالمشاريع الفلاحية الكبرى، مما أدى إلى ضعف مساهمتها في القيمة المضافة الفلاحية والأمن الغذائي واستقرار الساكنة وجاذبية العالم القروي.

وقد أقر التقرير عددا من النواقص والمعيقات التي يمكن إجمالها فيما يلي:

– استفادتها من دعم غير متناسب مع أهميتها وأهداف المخطط الفلاحي حيث لم تحصل إلا على 14.5 مليار درهم من الاستثمارات، مقابل 99 مليار وُجّهت للفلاحة ذات القيمة العالية.

– ضعف الاهتمام المؤسساتي، سواء من حيث الإرشاد الفلاحي أو الدعم التقني أو التمويل أو المواكبة، ما يجعله الحلقة الأضعف في السياسات الفلاحية الحالية.

– الهشاشة خاصة في ظل التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، واضطرابات سلاسل التوريد، والطابع المجزأ للأراضي وصعوبة تثمينها.

– غياب التنظيم المناسب الذي يمثل القطاع ويؤطره ويعبر عن مصالحه ويشكل قوى تفاوضية لصالح الفلاحين.

– عدم وجود او كفاية منظومة التسويق وسيطرة الوسطاء على السوق مما يؤدي إلى المضاربات على حساب صغار المنتجين.

ولتجاوز كل تلك النواقص والمعيقات، أكد التقرير على الحاجة إلى المزيد من الاعتراف والتحفيز والتثمين لهذا النمط الفلاحي في السياسة العمومية الفلاحية، بناء على التوصيات التالية:

– جعل الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة أولوية استراتيجية ضمن السياسات العمومية التي تعنى بالتنمية المحلية في شموليتها، اعتبارا للوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلع بها.

– اعتماد خطة عمل وطنية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية والبيئية، وترتكز على إدماج هذا النمط في سلاسل القيمة، وتحسين ولوجه إلى التمويل، وتثمين مساهمته في الحفاظ على النظم البيئية.

– تطويرها لتكون أكثر إنتاجية وإدماجا واستدامة، وذلك من خلال تعزيز اندماجها في سلاسل القيمة المضافة ورفع قدرتها التفاوضية في الأسواق، ومساهمتها في استقرار الساكنة القروية وتحسين الدخل.

– الأخذ بالاعتبار لخصوصيات المجال الترابي، بتنزيل إجراءات للدعم يتجاوز نطاقها الأنشطة الفلاحية لتشمل مواصلة تطوير البنية التحتية الملائمة، وتنويع الأنشطة المدرة للدخل، وتحسين الولوج للخدمات العمومية.

– تشجيع الفلاحين على الممارسات الفلاحية المستدامة من قبيل الترشيد الأمثل للري والتنويع الزراعي، والعمل على مراعاة الخصوصية الإيكولوجية لكل منطقة وتطوير زراعات مقاومة للتغيرات المناخية.

– استعجالية إعادة تنظيم سلاسل التسويق، وتنظيم وتقنين دور الوسطاء من أجل التخفيف من ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية.

– تنظيم الفلاحين في تعاونيات وهياكل اقتصادية وتطوير وحدات صناعية محلية صغيرة لتثمين المنتجات الفلاحية.

– تعزيز الاستشارة الفلاحية، وتوسيع خدمات الدعم لتشمل أنشطة غير فلاحية مدرة للدخل.

– توفير آليات مالية تحفيزية مناسبة اعتبارا لدورها في مكافحة التصحر والحفاظ على التربة وصيانة التراث الطبيعي والثقافي.

إن الفرصة مواتية الآن للقيام بمراجعة عميقة للسياسة الفلاحية من أجل تثمين ماتحقق من تطور إيجابي ،لا شك فيه، لكنه لم يحقق الأهداف المرجوة منه !! وكذلك من أجل معالجة النواقص والإخفاقات سواء الناتجة عن التدبير أو التغيرات المناخية.

ومجهر ذلك ينبني على مرصد وطني للفلاحة والتنمية القروية يتضمن مؤشرات حول الأمن الغذائي والتنمية القروية واستقرار الساكنة والشغل وترشيد الماء والصناعة الغذائية والفلاحية.. تلك هي الأهداف التي تم الإلتزام بها لكنها لم تتحقق إلا جزئيا!! لذلك وجب الإقدام على المراجعة الماضية إلى تغيير المسار وتجويد التدبير  بالالتزام الصادق من الجميع بالتوجيهات الملكية وبالجدية اللازمة والحكامة الفلاحية.

وبذلك تحافظ بلادنا على أهم صمام الآمان والاستقرار وضامن الأسرة والنسل، الذي يتمثل في الطبقة الصغيرة والمتوسطة في العالم القروي.

“إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا” صدق الله العظيم.

أضف تعليقك

Leave A Reply

Exit mobile version