ثقة تيفي
طور باحثون مغاربة من جامعة محمد السادس متعددة المتخصصات التقنية ببنجرير، بالتعاون مع فريق بحث من جامعتي روثامستيد وكراوفيلد بالمملكة المتحدة، دراسة علمية شاملة لتقييم آفاق وتحديات زراعة الزيتون بالمناطق المروية في المغرب، في ظل تأثير التغيرات المناخية ونظم الري المختلفة.
تأتي هذه الدراسة العلمية تحت عنوان “المفاضلات المرتطبة بأنماط الزراعة في المناطق شبه القاحلة بالمغرب” والتي نشرت في مجلة “علم البيئة الكلية”-عدد يونيو 2025، في وقت تشهد فيه المناطق المروية بالمغرب ضغطا متزايدا بسبب ندرة المياه وتزايد الفترات الجافة، ما يطرح تحديات كبيرة.
انكبّ الباحثون، ومنهم الحسين ديارا ورفيق العلمي ويوسف بزرهود وإيمان الفرتاسي وبدر أولعيد، من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، على تحليل تأثيرات اختيار المحاصيل وإدارتها على مؤشرات الإنتاج والاستدامة بمنطقة مروية في سهل الحوز، تقارب مساحتها 3100 هكتار.
اعتمد الفريق البحثي على عدد من البيانات والنماذج لقياس متغيرات تشمل الإنتاج، الربح، استخدام المياه، كربون التربة، انبعاثات أكسيد النيتروس، تسرب النيتروجين، والتلوث البيئي من حيث معامل التأثير.
وتم تطوير إطار بحثي يدمج بين البيانات والنماذج لتقييم سيناريوهات اختيار المحاصيل وإدارة الري. كما تم توظيف نموذج الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتقدير خسائر المغذيات، ونموذج كربون روثامستيد للتنبؤ بمحتوى الكربون العضوي في التربة، بالإضافة إلى استخدام حاصل التأثير البيئي لجامعة كورنيل لقياس تأثير المبيدات.
قارنت الدراسة بين نظام الري التقليدي بالغمر ونظام الري الحديث بالتنقيط، وأظهرت النتائج أن الري بالتنقيط أكثر كفاءة في استهلاك المياه، ويساهم في تقليل الفاقد المائي، مما يضمن استدامة الزراعة في بيئة مائية متغيرة.
بينت نتائج الدراسة وجود مفاضلات واضحة ترتبط باختيار النظام الزراعي. فعند مقارنة السيناريو الأساسي للمحاصيل المتناوبة، تبين أن مضاعفة إنتاج الزيتون يؤدي إلى زيادة تخزين الكربون بنسبة 4%، وتقليص استهلاك المياه بنسبة 3%، وخفض الانبعاثات بنسبة 42%. غير أن هذا الخيار كان أقل ربحية، ووفّر سعرات حرارية أقل صالحة للأكل، كما تسبب في تأثيرات أعلى على مستوى استخدام المبيدات مقارنة بالمحاصيل المتنوعة.
وأشارت الدراسة إلى أن تنويع المحاصيل ساعد على تقليص استعمال المبيدات الضارة، لكنه جاء على حساب الربحية. أما الري بالتنقيط، فقد أدى إلى تحسن الأرباح بنسبة 23%، وتقليص استهلاك المياه بـ13%، كما خفّض تسرب النيتروجين بنسبة 40%، مع تسجيل تغييرات طفيفة في باقي المؤشرات.
اقترح الباحثون استراتيجيات زراعية متكاملة، تقوم على دمج زراعة الزيتون مع محاصيل أخرى كالبقوليات والحمضيات، بغرض تحسين التنوع البيولوجي، زيادة خصوبة التربة، والحد من الاعتماد على المدخلات الكيميائية.
وأكدوا على أهمية إدماج المعارف المحلية للمزارعين في تطوير ممارسات زراعية مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، داعين إلى مقاربات متعددة الأبعاد تشمل الجوانب التقنية، الاقتصادية، والاجتماعية.
رغم الفوائد البيئية والاقتصادية للري بالتنقيط، فقد شددت الدراسة على أن تكلفته تظل مرتفعة، خصوصاً بالنسبة لصغار ومتوسطي الفلاحين، ما يستدعي تبني سياسات حكومية داعمة، سواء من حيث التمويل أو المرافقة التقنية، لتوسيع نطاق استخدام هذا النظام.
كشفت الدراسة أيضاً عن تأثير التوسع في زراعة الزيتون على العائد الاقتصادي، حيث لوحظ انخفاض تدريجي في العائد لكل هكتار مع اتساع المساحات المزروعة، بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات، فضلاً عن تقلبات المناخ.
تشير المعطيات إلى أن الحبوب، خصوصاً القمح والشعير، تستأثر بحصة الأسد من المساحات المزروعة في منطقة الدراسة، بنسبة 61.71%، يليها الزيتون بنسبة 22.58%، ثم محاصيل العلف مثل البرسيم (4.3%)، وأشجار الفاكهة (3.91%)، والخضروات وأشهرها البطاطس (3.3%). أما النسبة المتبقية (5%) فتُخصص لزراعة الحمضيات، اللوز، البقوليات، ومحاصيل السكر.
وتتميز المنطقة المناخية المدروسة بطابع شبه جاف قاري، حيث تتباين معدلات التساقطات بين السنوات وداخل السنة نفسها، ويبلغ المعدل السنوي للأمطار حوالي 250 ملم، مع تركز 70% منها خلال فصلي الشتاء والربيع. في المقابل، يبلغ معدل التبخر النتح السنوي حوالي 1500 ملم، ما يبرز حدة الضغط المائي.
خلصت الدراسة إلى ضرورة تبني سياسات زراعية شاملة من طرف الجهات الرسمية، ترتكز على تعزيز الابتكار في تقنيات الري والزراعة المستدامة، وتوفير الدعم المالي والتقني للفلاحين، وترشيد استهلاك الموارد المائية، إضافة إلى تشجيع البحث والتطوير من أجل تعزيز الإنتاجية الزراعية في ظل تحديات التغير المناخي.
تشكل هذه الدراسة إسهاماً علمياً مهماً في دعم الأمن الغذائي والتنمية المستدامة بالمغرب، كما تفتح آفاقاً جديدة أمام المزارعين والباحثين وصناع القرار للتصدي للتحديات البيئية والاقتصادية بفعالية ونجاعة.