في أول ظهور لها في تاريخ مونديال النساء، اصطفت مدافعة المنتخب المغربي للسيدات نهيلة بنزينة مع زميلاتها، إلى جانب حارسة المرمى الأقرب إليها في الطول، على عشب أرضية ملعب “هيندمارش” أديلايد الأسترالي، يوم الأحد 30 يوليوز 2023. وقد وضعت يدها على شعار منتخبها الوطني وهي تردد نشيده، بلباسها أبيض يتوهج في أضواء الملعب، حيث ارتدت الزي الرسمي لفريقها، واستكملت طقمه الأبيض بسراويل ضيقة وطبقة سفلية وغطاء رأس أبيض.
كان انتقال قلب دفاع “لبؤات الأطلس” من مقاعد البدلاء، إلى رقعة الميدان بدلا من ياسمين مرابط (وسط الدفاع)، بمثابة صمام أمان بدفاع الفريق في المواجهة الثانية أمام سيدات كوريا الجنوبية، بعد الخسارة القاسية التي تكبدها في المباراة الافتتاحية أمام ألمانيا 0-6.
طوال المباراة، لم تكن بنزينة مهتمة بما كان على رأسها أو عدد الكيلوغرامات (من الملابس الإضافية) التي كانت ترتديها، وإنما عرضت مهاراتها الاستثنائية، قطعت عدة كرات خطيرة، كادت أن تسجل هدفا من كرة ثابتة في حدود الدقيقة 56، لكن تسديدتها اعتلت عارضة المرمى، وتلقت أول بطاقة صفراء في الدقيقة 82، عندما عرقلت “جي سو يون”، التي كانت تنطلق باتجاه المرمى في هجمة مرتدة سريعة.
كانت 71٪ من تمريرات بنزينه دقيقة، بينما كانت دقة تمريراتها الطويلة أقل بنسبة 57٪، وبعد فوزها بنسبة 50 في المائة من مبارزاتها الأرضية، و 29 في المائة فقط من مواجهاتها العالية، حصلت اللاعبة البالغة 25 عامًا على تصنيف 7.1.
بعد إطلاق صافرة نهاية المباراة، كانت زميلاتها تجرين وتصرخن وتقفزن بين أحضان بعضهن البعض، بينما سقطت بنزينة ببساطة إلى الوراء في العشب المبلل، ووضعت يديها على وجهها، تعيش لحظة الانتشاء بفوز تاريخي على كوريا الجنوبية بهدف دون رد، استعاد به منتخب سيدات المغرب المصنف رقم 72 عالميا عافيته بعد عزيمة ثقيلة أمام “الماكينات” الألمانية بستة أهداف لصفر.
كان حدث الفوز الأول على الإطلاق لدولة عربية أو شمال إفريقية في تاريخ المسابقة، بحد ذاته جدير بتصدر العناوين الرئيسية، لكن بنزينة صنعت التاريخ لسبب آخر، ليس لأن اسمها يشبه بنزيمة (اللاعب الفرنسي) بل لأنها كانت اللاعبة الوحيدة التي ترتدي حجابا رياضيا من بين 736 مشاركة بـ 32 فريقًا في كأس العالم للسيدات- 2023، التي تستضيفها حاليا أستراليا ونيوزيلندا.
إنها لحظة تاريخية، بالنظر إلى أن الـفـيفـا حتى وقت قريب، كانت تمنع ارتداء الحجاب في بطولاتها, لكن “محـجـبـة المونديال” كما وصفها الإعلام المغربي، أو مرتدية “حجـاب الـرأس” بوصف الـفـيـفا، أتاح لها التغيير في التشريعات منذ ما يقرب عقد من الزمان، هذه الفرصة، ليكون القرار بذلك قد دخل حيز التطبيق عمليا.
عند انتقالها إلى الملعب الممطر في يوم شتوي بارد، لم تمثل اللاعبة الموهوبة نفسها وعائلتها وبلدها بكل فخر فحسب، بل أضحت أيضا رمزا لملايين النساء والفتيات المسلمات اللواتي يمكنهن، أخيرًا، ممارسة كرة القدم دون أية حواجز. حتى إن منهن من صرحت أن حجابها يستمر في الانزلاق، وتريد أن تعرف من أين حصلت بنزينة على حجابها الرياضي.
اعتبر ذلك، حدثا وجد صداه أولا لدى رئيس الاتحاد الدولي (فيفا) جـيـانـي إنفـانـتـيـنـو، الذي اعتبره علامة على التسامح والانفتاح، وحق من حقوق اللاعبة ما دام ليس هناك أي خرق لقوانين اللعبة، وأضاف إلى منشوره وسم “لا للتمييز”.
ثم تردد عبر القارات، أصداء الاحتفاء بلحظة نهيلة التاريخية كخطوة إيجابية نحو تشجيع قيم التنوع والتسامح والمساواة في كرة القدم النسائية العالمية، التي لم تخلق مساحة لنساء مثلها حتى الآن.
لكن الحدث أجبر وسائل إعلام فرنسية على تذكير العالم، بأنه ليس من القانوني ارتداء الحجاب في فرنسا في المباريات الرسمية لكرة القدم، في تناقض محبط مع وسائل الإعلام الغربية الأخرى، مما يطرح علامات استفهام حول تضاد القوانين الفرنسية مع تلك التي تعتمدها “الفـيـفـا”، علما أن فرنسا ستحتضن سنة 2024 منافسات كرة القدم للسيدات ضمن أولمبياد باريس.
فبينما كانت الجماهير الرياضية حول العالم تركّز على فرص منتخب سيدات المغرب، بعد إنعاش آماله إثر الفوز في المباراة الثانية أمام كوريا الجنوبية، كان تركيز البعض في فرنسا، ممن ليس لديهم في الغالب أي اهتمام بما يحدث على المستطيل الأخضر، على “الحجاب الكروي” للاعبة أنصفها مدربها “ريـنالـد بـيـدروس”، ولم يمارس ضدها التمييز بسبب لباسها.
أما اللاعبة الوحيدة التي ترتدي الحجاب الرياضي في تدريبات فريقها أو في المباريات، والمعتادة على ارتدائه في المنافسات المحلية منذ عام 2011، وهي في سن الـ 13، فقالت “شرف كبير لي أن أكون اللاعبة المميزة في المونديال، وأنا أشارك مع المنتخب الوطني بحجابي وأفتخر بذلك”.
غير آبهة بالتنمر الذي يطالها، تمضي ابنة القنيطرة التي اختارت أن تلعب بغطاء الرأس وسروال صيفي تحت الشورت، مدفوعة بشغف حياتها منذ أن شقت طريقها في عالم الساحرة المستديرة، لا تهتم كثيرا بما يجري حولها، فالموعد ليس عاديا، وأي تهاون يساوي مشاهدة باقي المنافسات من خارج أرضية الملعب.
خاضت مباراتين حاسمتين وتصدرت المشهد بحماسها وقتاليتها على رقعة الميدان، لم يمنعها حجابها من أداء دورها كما يجب، وساهمت في تحقيق حلم البقاء على مسار تشريف الكرة المغربية النسائية، بإنجاز تاريخي عربي إثر التأهل إلى ثمن نهائي البطولة، بل هناك من لقبها بـ “أمرابط” المنتخب النسوي.
تواصل بنزينة لعب كرة القدم، وتستمر في رفع تحدي منتخب بلادها على أكبر مسرح رياضي في العالم، ويعتقد كثير من المحللين أن ما قد لا تفهمه الآن، هو أن ما فعلته في هذه البطولة، سيلعب دورًا كبيرًا في مستقبل كرة القدم النسائية في الشرق الأوسط، وما تعرضه باللعب في كأس العالم، هو أن ارتداء الحجاب الرياضي لا يمكن أن يمنعها من فعل ما تحب.
لقد كانت مأخوذة بشغف اللعبة منذ الخامسة من عمرها، عندما ركلت أول كرة قدم لها ولم تتوقف أبدًا، وأصبح مستقبلها متعلقًا باللعبة، حين احترفت في فريق الجيش الملكي، وحققت معه 8 ألقاب، ولمعت في النسخة الأولى من دوري أبطال أفريقيا للسيدات في 2021، وشاركت في دوري اتحاد شمال أفريقيا، ودوري أبطال أفريقيا في مصر في نفس العام نفسه.
واليوم هي في واجهة الحدث، تمثل بلدها بالمحافل الدولية في احترام لقوانين اللعبة، مع المنتخب الأول منذ سنة 2018، وقبل ذلك مع المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة، ومنتخب أقل من 20 سنة.
مع كل خطوة تخطوها اللاعبة الشابة، لا تدافع عن هدفها فحسب، بل أيضًا تدعم الاندماج والتنوع الذين تسعى الرياضات الحديثة إلى تجسيده، كأداة لإشراك المزيد من النساء في الرياضة. ففي نهاية المطاف، تبقى كرة القدم ملتقى للثقافات المختلفة، “شاملة وأكثر تسامحا وعالمية ومتنوعة”، بتعبير رئيس الـفـيـفا .