عبد العزيز الطاشي*
بعيدين كل البعد عن ما يصطلح عليه ب”العمل اللائق” في القطاع الخاص بالمغرب. بحيث إذا رجعنا إلى التعريف الذي تبنته منظمة العمل الدولية للعمل اللائق le travail décent)) أنه “العمل المنتج الذي يليق بالإنسان وبقدراته وإمكاناته ويحقق له مستوى لائقا من العيش الكريم ويحقق له الحرية والعدالة والأمن ولا تقل صفة {اللياقة} أهمية عن إيجاد فرص عمل” وأضافت المنظمة أن العمل اللائق له مرتكزات أساسية تتجلى في “توفير فرص عمل منتجة وآمنة، وضمان احترام حقوق الأجراء مع منحهم الأجر الملائم يحفظ الكرامة، وتوفير الحماية الاجتماعية، وضمان حق الانتماء النقابي والتفاوض والحوار الاجتماعي، والمساواة بين الجنسين.”
فهل نرى في واقع القطاع الخاص هذه المرتكزات أو جزء منها (إذا اعتبرنا أنه بإمكاننا تجزيء هذه المرتكزات)؟ يجيبنا الواقع المعاش بأن كل تلك المرتكزات تضل في أوراق منظمة العمل الدولي.
فإذا ما تحدثنا عن المرتكز المتجلي في “توفير مناصب الشغل آمنة ومنتجة”، نجد أن المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط حول البطالة بالمغرب قد أجابت بدقة وبالأرقام عن واقع الحال. فقد جاء بالمذكرة أن البطالة بالمغرب قد حققت رقما قياسيا غير مسبوق في عهد الحكومة الحالية. وذكرت أن ما بين سنة 2022 وسنة 2023 ارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 248 ألف شخص ليصل حجم البطالة بالمغرب سنة 2023 ما مجموعه مليون و 650000 عاطل مقابل مليون و 420000 سنة 2022 وبذلك وارتفع معدل البطالة بالمغرب بنسبة 13,5% خلال الربع الثالث من السنة الماضية مقابل 11,4% المسجلة في نفس الفترة سنة 2022 . وأضافت المندوبية أنه تم فقدان 297 ألف منصب خلال الربع الثالث من سنة 2023 .
ورجوعا إلى برامج الحكومة الحالية التي وضعته لإنعاش الشغل، نجدها قد وضعت ببرنامج سمته ببرنامج “أوراش”، وهو برنامج لا أرى أنه مفخرة إنجاز، بل هو مصدر إنتاج البطالة. وبحسب ما جاء في منشور رئيس الحكومة تحت رقم 03/2022 الصادر بتاريخ 12 يناير 2022 أحدث البرنامج 250 ألف منصب شغل خلال سنتي 2022 و2023 وأشار إلى أن 80% من تلك المناصب ستبرم فيها عقود مؤقتة، بمعنى أنه سيتم ضمان العمل ل200 ألف عامل خلال فترة وجيزة قد لا تتجاوز 6 أشهر خلال السنتين المذكورتين ثم سيفقد هذا الكم الهائل من العمال “مناصبهم” وليلتحقوا من جديد برحاب البطالة، لنستخلص بشكل واضح أن البرنامج المذكور يضرب في العمق أول مرتكز من المرتكزات الأساسية للعمل اللائق فهو برنامج هش وغير منتج وليس بآمن.
ففي نظري، كان على الحكومة دراسة البرامج السابقة من قبيل “إدماج” و” تحفيز” و” مقاولاتي” …وغيرها من البرامج التي الغاية منها تطوير نمو الاقتصاد الوطني بإيجاد حلول لتوفير عمل منتج بعقود غير محددة المدة تساهم في رفع مستوى العيش للأجراء وحمايتهم من الفقر والهشاشة، عوض أنها (الحكومة) تأتينا بهذا النوع من البرامج التي سيتسمر إلى غاية سنة 2026 منتجا أفواج من العاطلين عن العمل في كل سنة.
أما عن المرتكز الثاني المتعلق “بضمان حقوق الأجراء ومنحهم الأجر الملائم يحفظ كرامتهم”، فقد أشرت أن المرتكز يضل محفورا على أوراق منظمة العمل الدولية.
فإذا نظرنا إلى القوانين الاجتماعية نجد أن نسبة تطبيق مقتضيات مدونة الشغل، التي تضمن الحد الأدنى من حقوق الأجراء، لا تتعدى 10% في القطاعات المهيكلة. بالإضافة إلى أن أكثر من 50% من الأجراء يتلقون أقل من الحد الأدنى القانوني للأجر، وأن القطاع غير المهيكل “لا يعترف بها” (أي المدونة) لا من حيث ساعات وظروف العمل، ولا من حيث مستحقات الأجر ولا العطل الأسبوعية والسنوية ولا ظروف العمل والصحة السلامة وحماية الحدث والأمومة…. فعن أي كرامة يمكن أن نتحدث عنها لفائدة الأجراء؟
وبالرجوع إلى برنامج “أوراش” نجد أن 200 ألف من أصل 250 ألف عامل الذين تم انتقاءهم للعمل سنتي 2022 و2023 قد قاموا بأعمال تذكرنا بأعمال عمال الإنعاش الوطني الذين هم خارج كل ما يُعرف بالحقوق الأساسية للعمل. فعمال “أوراش” وعمال الإنعاش الوطني لهم كثير من أمور مشتركة يتقاطعون فيها من بينها المهام التي يكلفون بإنجازها من قبيل إنجاز المسالك الطرقية، وترميم المآثر والمنشآت العمومية ومحاربة التصحر وزحف الرمال والتشجير وإعداد المساحات الخضراء وغيرها … لكن من بين ما جاءت به الحكومة “للأوراشيين” هو تفويضها الجمعيات المدنية وجعلها بمثابة مشغل مع استفادتها بمزانية، قيل أنها خاصة بتأطير الجمعيات، نسبتها تتراوح بين %5 و 10% من الميزانية المرصودة لجماعة بالإقليم حسب الحصيص، (إنتاج الريع الجمعوي بشكل واضح سنعود لهذا الموضوع في مقال آخر )، لكن في المقابل لم تحدد الحكومة الأجرة التي سيتلقاه الأجير خاصة وأنها هي من تكلفت بها …
وبخصوص مرتكز “حرية الانتماء النقابي وما يليه من حرية التفاوض وانعقاد دورات الحوار الاجتماعي” داخل المقاولة فيكفيني الإشارة أن نسبة الانخراط في العمل النقابي إجمالا لا تتعدى 5% وذلك راجع لعدة أسباب أهمها هو محاربة العمل النقابي بكل الوسائل غير مشروعة وعدم السماح لها بالتواجد بالمقاولة واستهداف المناضلين والمكاتب النقابية بالطرد والتعسف دون توفير أية حماية رغم دستورية ذلك. كما أشير إلى أن معطيات ما يسمى بانتخابات المأجورين والتي كان آخرها سنة 2021 نجد خلال هذه السنة أن عدد المقاولات التي تم إجراء النتخابات بها لا تتعدى 19500 من أصل أكثر من 250 ألف مقاولة أي لا تتجاوز نسبة المشاركة 8% ، وبالتالي حوالي 92% من القاولات لا تتوفر على مندوب الأجراء الذي يعتبر الفاعل الأساسي للحوار بالمقاولة سواء لدوره على مستوى الفردي، أو على مستوى المؤسسات ثنائية التركيب كلجنة المقاولة ولجنة السلامة وحفظ الصحة … علاوة على ذلك أشير إلى ما أفرزته نفس تلك الانتخابات من مندوبي الأجراء بدون انتماء نقابي والذي بلغت نسبته من إجمالي مندوبي الأجراء 57%…
فبسبب الرؤيا السوداوية تجاه النقابات، فهذه الأخيرة لم تستطع ولوج المقاولات المهيكلة بالأحرى إمكانية ولوجها للقطاعات غير المهيكلة، أضف إلى ذلك أن برنامج أوراش أسند للجمعيات المدنية تشغيل أجراء مؤقتين غير ممكن تنظيمخم داخل المجال النقابي,. فعن أي حرية نقابية وعن أي تفاوض وحوار داخلي سنتكلم؟
أختم وأقول أن الحكومة عوض أن تعالج الإشكالات المرتبطة بالنمو الاقتصادي والتفكير في عمل مستدام يضمن نسبة ولو بسيطة من كرامة الأجير ويزرع بصيصا من الأمل يقربنا من بعض مرتكزات العمل اللائق، ذهبت في اتجاه إحداث مناصب غير مستقرة تفضي إلى تعميق أزمة البطالة، وبالتالي لم تراع القوانين الاجتماعية الداخلية و ما صادق عليه المغرب من الاتفاقيات دولية ذات الصلة والتي تسمو على القوانين المغربية كما جاء ذلك في تصدير دستور المملكة.
*باحث اجتماعي