عيوب قانونية ودستورية في مشروع القانون التنظيمي لممارسة الإضراب

عبد العزيز الطاشي

عبد العزيز الطاشي*

تمت إحالة المشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق ممارسة حق الإضراب على المحكمة الدستورية، وذلك بعد مهزلة التصويت عليه في القراءة الثانية للبرلمانيين (ممثلو المغاربة) يوم 5 فبراير 2025 بعدد 104 من أصل 395 برلماني {الموافقون: 84 (أي بنسبة 21,26%) والمعارضون 20) وغاب عن التصويت 291 برلماني (أي بنسبة 73,67%)، وبذلك تكون  المعركة السياسية التشريعية بين الحكومة والبرلمان والنقابات قد طويت مؤقتا،  ودخل المشروع مرحلة المعركة الدستورية القانونية، معركة الحجج القوية والموضوعية.

فالمحكمة الدستورية بخبرائها وخبرتها ستنظر إلى المشروع المذكور انطلاقا من مقتضيات الدستور وجميع القوانين والنوازل وكذلك الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وأيضا من منظور حماية حقوق الإنسان من أجل التدقيق للوصول إلى مدى دستورية القانون.

علاوة على ذلك، أؤكد أنه لا يوجد قضاء دستوري بمعزل عن حركية وردود فعل المجتمع والمؤسسات فيما يخص جميع مشاريع القوانين ومنها ما جاء به مشروع القانون رقم 97.15 المذكور.  فهذا الأخير، أكد رئيس الدولة في خطابه السامي أنه “لبلورة مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقتضي ذلك توسيع المشاورات من أجل الوصول إلى توافق بناء يعمل على ضمان حقوق الفئة العاملة، ومصالح أرباب العمل، ومصلحة الوطن”. لكن ردود فعل المجتمع عبر الاحتجاجات والمسيرات المنددة التي رافقت مشروع القانون التنظيمي للإضراب يبرز بشكل جلي على عدم حصول التوافق البناء الذي ألزم به صاحب الجلالة الحكومة كشرط واقف لإخراج القانون…

فمشروع القانون رقم 97.15 يحتوي على 33 مادة مقسمة على ثلاثة أبواب التي، بالإضافة للأحكام العامة بالباب الأول، تضم فروعا لكل باب. 

ففي اعتقادي أن مواد المشروع في مجملها تعرقل حرية ممارسة الإضراب بل اتجهت في تكبيله واستحالة ممارسته وبذلك فهي مخالفة لروح ما نص عليه الفصل 29 من الدستور، ولذلك ومن أجل تعميم الفائدة ارتأيت أن أسرد بعض العيوب التي جاء بها مشروع القانون 97.15 الموجود بأيدي المحكمة الدستورية:

فباستقراء تعريف الإضراب الذي جاء به مشروع القانون، و ما جاءت به المادتين 7 و 11 يتضح أن  مشروع القانون منع (والمنع لا يدخل في التنظيم بل يدخل في التحجيم ) بشكل مباشر  ممارسة  أنواع مختلفة لممارسة الإضراب  مثل: الإضراب العام في كل من القطاع العام والخاص هما معا، بل احتفظ بممارسة واحد منهما، والإضراب في مكان العمل أو ما يسمى بالإضراب بالوقوف مكتوفي الأيدي، و الإضراب الفردي ، والإضراب المفتوح ، والإضراب الدائر ؛ ومنع بشكل غير مباشر حق ممارسة الإضراب  السياسي والإضراب التضامني والإضراب بالتناوب .

أما عن استعمال المشروع مصطلح العامل عوض الأجير فذلك يخالف بشكل مباشر الفصل 8 من الدستور والتي تتحدث عن الأجير وليس العامل.  وبذلك، فإن جميع المواد الواردة في مشروع القانون التنظيمي للإضراب والتي يتواجد بها مصطلح “عامل” فهي مخالفة لمقتضيات الفصل 8 من الدستور (المادة3 هـ،، والمادة 6، والمادة 9، والمادة 16 ، والمادة 21 والمادة 23…)

فيما يخص الجهة الداعية للإضراب، فالملاحظ أن المشروع اشترط الوضعية السليمة للمنظمات النقابية وأن  تكون الأكثر تمثيلية أو ذات التمثيلية حتى يكون عندها امتياز الدعوة للإضراب وهنا تكمن إشكالات متعددة أذكر منها:

  كلمة “المنظمة النقابية في وضعية سليمة ” غير معروف تعريفها  وماذا تعني ؟ فهذه الجملة يمكن توظيفها في أي اتجاه لتكون سببا في عرقلة جميع الإضرابات.

 أما عن الجهة الداعية للإضراب،  فالمادة 3 التي عرفت هذه الأخيرة والمادة 11 التي أعادت التنصيص عليها، فأشير أنه تم إقصاء شريحة من المجتمع منظمين داخل مؤسسات قانونية من حقها ممارسة الإضراب كهيئة المحامين وهيئة الأطباء واتحاد الأطر المشتركة ….

علاوة على ذلك، يوجد خلل قانوني كبير لتعريف المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية بالقطاع العام من جهة، ومن جهة ثانية لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية بالقطاع العام والقطاع الخاص هما معا.

فالفصل 8 من الدستور نص على المنظمات النقابية للأجراء دون أن يشير إلى الأكثر أو الأقل تمثيلية، كما أنه لا وجود لأي نص قانوني يحدد النقابة الأكثر تمثيلا في القطاع العام، ورغم ذلك تم التنصيص في المادة 11 على أن الجهة التي لها الحق في الدعوة إلى الإضراب على صعيد المرفق العمومي محدود في منظمة نقابية أكثر تمثيلا على الصعيد الوطني أو من قبل منظمة نقابية ذات تمثيلية على صعيد المرفق العمومي !

كما أن اعتماد المادة 425 من مدونة الشغل لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا في القطاع العام والخاص لا يمكن ان تسري الا طبق مقتضيات المادة الاولى والثانية والثالثة من  مدونة الشغل والتي حددت مجال تطبيقها، وبالتالي فان القطاع العام غير خاضع لهذه المادة بتصريح المادة 585 من المدونة التي حافظت على تطبيق الظهير الشريف رقم 119.57.1  الصادر بتاريخ 18ذي الحجة 1376 /16يوليوز 1957 في شان النقاىات المهنية ، حيث أنها نصت على أن ” تظل احكام هذا الظهير سارية فيما يتعلق بنقابة الموظفين وكافة الهيآت المهنية التي لا يطبق عليها هذا القانون “.

ويلاحظ أن المادة 11 تمنع بشكل واضح ممارسة حق الإضراب لأي نقابة تأسست في  مرفق عمومي أو في القطاع الخاص وفق جميع المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، حتى ولو تأسست في المرفق العمومي أو القطاع الخاص ولم يكن  يحتوي على أية منظمة نقابيا ، إلا بعد حصولها على التمثيلية خلال انتخابات المأجورين والتي تجرى مرة واحدة خلال ست سنوات. وهذا ما يعد ضربا واضحا للدستور   وجميع المواثيق الدولية.

فيما يخص ممارسة الإضراب بمقاولة أو مؤسسة بالقطاع الخاص، فالمادة 11 تبيح الدعوة للإضراب فقط للمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا بالمقاولة أو المؤسسة، وهذا يعتبر من جهة، تمييزا واضحا لممارسة حق الإضراب بين القطاع الخاص والقطاع العام، ومن جهة أخرى ستحرم كل المقاولات أو المؤسسات التي تتوفر  فقط على منظمات نقابية ذات التمثيلية (أي التي تحصل على أقل من 35% من عدد مناديب العمال خلال انتخابات المأجورين )، أو المقاولات التي تتوفر على منظمات نقابية تأسست بعد انتخابات المأجورين،  من ممارسة حق الإضراب وهذا يعد أيضا ضربا صارخا للفصل 29 من الدستور.

بالإضافة إلى ذلك، المادة 11 تشير على أن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية أو ذات التمثيلية، تتخذ قرار الدعوة إلى الإضراب من طرف الجهاز المخول له ذلك في أنظمتها الأساسية. وهو ما يقتضي أن يتم إصدار قانون النقابات قبل إصدار هذا القانون وذلك من أجل تحديد نموذج النظام الأساسي الذي يجب الالتزام به كما هو الشأن لما ورد في مقتضيات المادة 29 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.

وفي مخالفة أخرى للدستور نجد المادة 12 التي هي مكملة للمادة 11، تحيل الدعوة إلى الإضراب، في المقاولة التي بها منظمات نقابية الأكثر تمثيلية، إلى لجنة الأجراء. فهذه المادة تضرب في العمق ممارسة الحرية النقابية بحيث رغم إمكانية تواجد المنظمات النقابية بالمقاولة لن يكن لها الحق في ممارسة الإضراب. حيث أن هذا الحق، وفق المادة المذكورة، تتم عبر لجنة من الأجراء ووفق مقتضيات مسطرية معقدة وتعجيزية، من شانها ابطال هذا الحق خاصة بالمؤسسات والمقاولات صغيرة أو كبيرة تتوفر على فروع متعددة داخل الوطن.

وفي قضية إحلال أجير محل أجير مضرب، فمشروع قانون الإضراب منعه على المشغل في الفقرة الرابعة من المادة 9، خلال مرحلة سريان الإضراب المنصوص عليها في المواد 14 و15 و16، لكن نفس المادة سمحت للمشغل، استعدادا لضرب الإضراب وإفشال نجاحه، إضافة عمال خلال مرحلة الدعوة إلى الإضراب المنصوص عليها في المواد 11 و12 و13 والتي تستغرق مدتها  أكثر من 90 يوما. كما أن المشروع، ومن أجل إفراغ الإضراب من فعاليته، أباح في المواد 16 و20  و21 استخدام عمال بدلاء أثناء الإضراب دون معايير دقيقة، وهو ما يضرب في العمق القوانين الجاري بها العمال وخاصة المادتين 16 و496 من القانون 65.99.

أختم أن الشارع المغربي من خلال الاحتجاجات التي نظمها عبر المنظمات النقابية وعبر الجبهة المنشأة لمناهضة تكبيل الإضراب، ردا كافيا لعدم حصوله على روح التوافق البناء والذي  يعدد أحد أسس بلورة قانون تنظيمي للإضراب، كما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة في خطابه السامي سنة 2015 .

*فاعل حقوقي وباحث اجتماعي

أضف تعليقك

Leave A Reply

Exit mobile version