وضعت الولايات المتحدة الخميس حدا لآمال الفلسطينيين الضئيلة في الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة إذ استخدمت، كما كان متوقعا، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد هذا المطلب الذي سبق أن انتقدته حليفتها إسرائيل التي تخوض حربا على غزة.
ومشروع القرار الذي قدمته الجزائر والذي “يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة” أيده 12 عضوا وعارضته الولايات المتحدة وامتنع عن التصويت عليه العضوان الباقيان (المملكة المتحدة وسويسرا).
ونددت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس الخميس باستخدام الولايات المتحدة الفيتو.
وقال مكتب عباس في بيان إن “هذه السياسة الأميركية العدوانية تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها المشروعة تمثل عدوانا صارخا على القانون الدولي، وتشجع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا (…) وتزيد في دفع المنطقة إلى شفا الهاوية”.
وأضاف أن هذا الفيتو “يكشف تناقضات السياسة الأميركية التي تدعي من جانب أنها تدعم حل الدولتين، فيما هي تمنع المؤسسة الدولية من تنفيذ هذا الحل “، شاكرا في المقابل الدول الأعضاء التي صوتت لمصلحة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وتابعت السلطة الفلسطينية أن “العالم موحد خلف قيم الحق والعدل والحرية والسلام التي تمثلها القضية الفلسطينية”.
وقال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن هذا الرفض “لن يكسر إرادتنا ولن يوقف إصرارنا. لن نوقف جهودنا. دولة فلسطين حتمية، إنها حقيقية”. وأضاف في خطاب مؤثر “لا تنسوا أنه عندما ترفع هذه الجلسة، سيظل أبرياء في فلسطين يدفعون بحياتهم وحياة أبنائهم ثمن الإجراءات الإسرائيلية (…)، ثمن تأخير العدالة والحرية والسلام”.
ورغم الفيتو الأميركي، فإن الدعم “الساحق” من أعضاء المجلس “يبعث رسالة واضحة جدا: دولة فلسطين تستحق مكانها” في الأمم المتحدة، حسبما قال السفير الجزائري عمار بن جامع، واعدا باسم المجموعة العربية بأن يتقدم مجددا بهذا الطلب في وقت لاحق، ومضيفا “نعم، سنعود أقوى”.
وقال السفير الصيني فو كونغ “اليوم يوم حزين”، مبديا “خيبة أمله” من الفيتو الأميركي، ومضيفا “لقد تحطم حلم الشعب الفلسطيني”.
من جهته، قال نائب السفير الأميركي روبرت وود إن “هذا التصويت لا يعكس معارضة للدولة الفلسطينية، بل هو اعتراف بأنه لا يمكن لها أن تنشأ إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين المعنيين.”
ويأتي ذلك فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من انزلاق الشرق الأوسط إلى “نزاع إقليمي شامل”.
وفي وقت سابق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو خلال جلسة لمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، إن “منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من شأنه أن يرفع جزءا من الظلم التاريخي الذي تعرضت له وتتعرض له أجيال متتابعة من الشعب الفلسطيني، وأن يفتح آفاقا واسعة أمام تحقيق سلام حقيقي قائم على العدل، وسلام تنعم به دول وشعوب المنطقة كافة”.
بدوره، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أمام المجلس إن “الاحتلال والسلام نقيضان لا يجتمعان. لا سلام ما بقي الاحتلال، ولا أمن ما ظل الظلم الإسرائيلي ينكر إنسانية الشعب الفلسطيني، وحقه في الحياة والحرية والكرامة والأمن والدولة”.
وخلال الجلسة، طالب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي مجلس الأمن الدولي بأن يتحمل مسؤولياته، وبألا يخيب آمال الشعب الفلسطيني وسعيه المشروع للاستقلال والعضوية” في المنظمة الدولية.
وفي غمرة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، طلبت السلطة الفلسطينية في مطلع أبريل الجاري من مجلس الأمن النظر مجددا في الطلب الذي قدمته في 2011 لنيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وقدمت الجزائر، بصفتها العضو الممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن، مشروع قرار يوصي الجمعية العامة بـ”قبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة”.
وقالت البعثة الدبلوماسية المالطية التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي لأبريل إن التصويت على مشروع القرار سيتم الساعة 21,00 ت غ الخميس، رغم أن الولايات المتحدة المتمتعة بحق الفيتو عبرت صراحة عن معارضتها له.
وقال ريتشارد غوان، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، لوكالة فرانس برس “أعتقد أن الفيتو الأميركي مؤكد تماما “، متوقعا أن تمتنع عن التصويت على مشروع القرار الجزائري بريطانيا وربما أيضا اليابان وكوريا الجنوبية.
وتقبل دولة ما عضوا في الأمم المتحدة بقرار يصدر من الجمعية العامة بغالبية الثلثين، لكن فقط بعد توصية إيجابية بهذا المعنى من مجلس الأمن.
وتصدر التوصية عن مجلس الأمن بموجب قرار لا بد أن يوافق عليه تسعة على الأقل من أعضاء المجلس الـ15 وشرط ألا تستخدم أي دولة دائمة العضو حق النقض (الفيتو) لوأده.
ووفقا للسلطة الفلسطينية، فإن 137 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة اعترفت حتى اليوم بدولة فلسطين.
ورغم أن مبادرته هذه لم تثمر، إلا أن الفلسطينيين نالوا في نوفمبر 2012 وضع “دولة مراقبة غير عضو” في الأمم المتحدة.
وخلال جلسة مجلس الأمن، حذر غوتيريش من أن “الشرق الأوسط على شفير الهاوية، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا خطرا، سواء بالأقوال أو الأفعال”.
وقال “أي خطأ في التقدير، أو تواصل سيئ، أو هفوة، يمكن أن يؤدي إلى ما لا يمكن تصوره، إلى صراع إقليمي واسع سيكون مدمرا لجميع المعنيين”، داعيا إلى “أقصى درجات ضبط النفس”.
وأعرب الأمين العام عن إدانته للغارة التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق ونسبتها طهران إلى الدولة العبرية، وكذلك أيضا للهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران على إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي ردا على تلك الغارة.
وشدد غوتيريش على أن “لحظة الخطر القصوى هذه يجب أن تكون لحظة ضبط نفس قصوى”.
وأضاف “حان وقت إنهاء حلقة الأعمال الانتقامية الدموية… حان الوقت للتوقف”.
وتابع “يتعين على الأسرة الدولية العمل معا لمنع أي أعمال قد تدفع الشرق الأوسط برمته إلى حافة هاوية، مع ما يترتب على ذلك من أثر مدمر على المدنيين. واسمحوا لي أن أكون واضحا : المخاطر تتصاعد على كثير من الجبهات”.
وأردف الأمين العام “نحن نتحمل سويا مسؤولية مواجهة هذه المخاطر وإبعاد المنطقة عن حافة الهاوية… بدءا من غزة”.
وأعرب الأمين العام عن إدانته الشديدة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، مكررا دعوته إلى وقف فوري للنار، ووصول مساعدات إنسانية بلا عوائق، وإطلاق سراح جميع الرهائن.
وقال “أكر ر دعوتي إلى وقف فوري لإطلاق النار لدواع إنسانية وإلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين في غزة”.
وأضاف “في غزة، أدت ستة أشهر ونصف من العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى خلق جحيم” على الصعيد الإنساني، مؤكدا أن مليوني فلسطيني يعانون في القطاع المدمر من “الموت والدمار والحرمان من المساعدات الإنسانية الحيوية” والجوع.
ولفت غوتيريش أيضا إلى أن “حصيلة القتلى هائلة وغير مسبوقة، من حيث الوتيرة والحجم، منذ أن أصبحت أمينا عاما ” للأمم المتحدة في 2017.
وأسف لأن “كل هذا يحدث في ظل قيود كبيرة تفرضها السلطات الإسرائيلية على إيصال المساعدات إلى سكان غزة الذين يواجهون الجوع على نطاق واسع”.
وقال “عملياتنا الإغاثية بالكاد تعمل. لا يمكنها أن تعمل بطريقة منظمة ومنهجية. لا يمكنها سوى اغتنام الفرص لتقديم المساعدات كل ما أتيح لها ذلك وحيثما أمكنها ذلك”.
وشدد على أن “تقديم مساعدات على نطاق واسع يتطلب من جانب إسرائيل تسهيلا كاملا وفعالا للعمليات الإنسانية”.
كما دعا غوتيريش الدولة العبرية إلى وضع حد لعنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بعد أن أثار مقتل فتى إسرائيلي يبلغ 14 عاما هجمات إسرائيلية طالت عشرات القرى الفلسطينية.
وقال الأمين العام مخاطبا أعضاء مجلس الأمن الدولي “أدعو إسرائيل، باعتبارها قوة الاحتلال، إلى حماية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة من الهجمات والعنف والترهيب”.
وحذ ر غوتيريش من “الوضع المتفجر في الضفة الغربية المحتلة”، داعيا إلى “وقف التصعيد”.
وقال إنه منذ 7 أكتوبر قتل في الضفة “أكثر من 450 فلسطينيا ، بينهم 112 طفلا (…) غالبيتهم بأيدي القوات الإسرائيلية خلال عملياتها وأثناء تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية ومسل حين فلسطينيين”.
وأضاف “قتل آخرون بأيدي مستوطنين إسرائيليين مسلحين، وأحيانا بوجود قوات الأمن الإسرائيلية التي لم تفعل شيئا للحؤول دون سقوط” هؤلاء القتلى.
ودعا الأمين العام “إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء عنف المستوطنين غير المسبوق”.
بتصرف عن (أ ف ب)