عزيزة الزعلي
توصل تحليل خطابات ألقاها برلمانيون حول العالم، أن تعقيد الخطاب السياسي، لا يتأثر بالاعتبارات السياسية والتشريعية الاستراتيجية فحسب، بل أيضا باستجاباتهم للعوامل البيئية الخارجية.
وأوضحت الدراسة التي نشرت في مجلة ” iScience ” في يونيو الجاري، أن درجات الحرارة والبرودة، تؤثران على الأداء المعرفي وجودة الخطاب السياسي، لما لها من تأثير على الحالة الفسيولوجية والنفسية للسياسيين.
حيث لاحظت، أن السياسيين يستخدمون لغة أبسط في الأيام ذات درجات الحرارة المرتفعة، وهو ما يقول الباحثون، إنه قد يشير إلى تأثير محتمل للمناخ الحار على الإدراك المعرفي.
و نظرت الدراسة، في 7.4 مليون خطاب ألقاه أكثر من 28 ألف و500 برلماني في 8 بلدان، في محاولة لمعرفة ما إذا كانت درجات الحرارة القصوى، قد تؤثر على الأداء المعرفي، حتى في القاعات الداخلية.
وقام الباحثون، بتحليل نصوص الخطابات التي ألقيت في العاصمة؛ لندن؛ فيينا؛ أمستردام؛ ولينغتون، نيوزيلندا؛ كوبنهاغن؛ مدريد؛ بون، ألمانيا؛ وبرلين بين عامي 1950 و2019، وربطوا بيانات درجة الحرارة بلغة خطابات البرلمانيين.
وأظهر التحليل، أن إتقان اللغة بين السياسيين انخفض في الأيام ذات درجات الحرارة المرتفعة، والتي أدت إلى انخفاض مستوى تعقيد اللغة بمقدار 0.05 أو 0.45 بالمائة، أي بما يعادل “ما يقرب من نصف شهر من انخفاض التحصيل العلمي”.
وبحسب النتائج، كانت الخطب التي ألقيت في الأيام الحارة، تحتوي على كلمات أقصر بنسبة 3.3%، على الرغم من أن طول الجمل ظل كما هو.
وعندما قام الباحثون بتحليل مجموعة فرعية من البيانات من ألمانيا، وجدوا أكبر انخفاض في الكفاءة اللغوية للبرلمانيين في درجات حرارة متوسطة و مرتفعة (24 – 27 درجة مئوية)، وبدرجة أقل أيضًا عند 18- 21 درجة مئوية، ولكن ليس في درجات الحرارة الباردة.
كما لاحظت الدراسة، أن السياسيين الذكور يعانون من انخفاض ملحوظ في الأداء تحت تأثير درجات الحرارة القصوى، بالمقابل يميل الأداء المعرفي لدى السياسيات إلى التأثر سلبًا بشكل كبير بدرجات البرودة الشديدة.
وتسلط النتائج الضوء على تأثير الحرارة على خطابات جميع السياسيين دون أي اختلافات كبيرة حسب العمر، إلا أنها مع ذلك، لاحظت تأثير درجة الحرارة بين 21 – 24 درجة مئوية فقط، على السياسيين الأكبر سناً.
و بحسب الدراسة، تُعزى هذه القابلية المتزايدة لتأثيرات التعرض للبرد والحرارة لمن تبلغ أعمارهم 65 عامًا وأكثر، إلى ضعف أنظمة القلب والأوعية الدموية لديهم، والتي تكون أقل قدرة على إدارة الإجهاد المرتبط بالحرارة.
وقال الباحثون، إن التأثيرات تنتقل إلى الخطب الداخلية، مفترضين أن تعرض البرلمانيين، لفترة وجيزة للحرارة الخارجية وهم في طريقهم لإلقاء الخطب يمكن أن يكون له تأثير، وقالوا إن “درجات الحرارة القصوى يمكن أن تعطل النوم أيضًا”.
و اعتبرت الدراسة، التعقيد اللغوي بمثابة مؤشر للقدرات المعرفية لدى السياسيين الأفراد، كما أنه يؤدي إلى نتائج سلبية في مجالات حاسمة، مثل صنع القرار التشريعي.
وقال توبياس ويدمان، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة آرهوس في الدنمارك والمؤلف المشارك للدراسة: “في حين أن اللغة الأبسط يمكن أن تعزز فهم الجمهور ومشاركته، إلا أنها قد تشير أيضًا إلى انخفاض الأداء المعرفي بسبب الحرارة” ، وأضاف “قد يكون لذلك عواقب سلبية على إنتاجية أعضاء البرلمان، مما يؤثر على عملية صنع القرار التشريعي وتمثيل المواطنين وتخطيط الميزانية.”
ولم تختبر الدراسة آليات محددة وراء الانخفاض في تعقيد اللغة، ولاحظ الباحثون أن العديد من الخطابات السياسية تُكتب قبل وقت طويل من إلقائها.
الدراسة التي تعتبر خطوة أولى مهمة في فهم تأثير العوامل البيئية على تعقيد لغة السياسيين التي ظلت مهملة لحد الآن، توصي بأن تتضمن الأبحاث المستقبلية مقاييس أكثر تقدمًا للغة، والمزيد من البيانات الديموغرافية عن المتحدثين السياسيين.
ومع ذلك، يكتبون أن درجات الحرارة القصوى يمكن أن يكون لها “آثار سلبية بعيدة المدى على المجتمع ككل”. و تشير، إلى أن إدارة هذه التأثيرات ستكون ضرورية للتخفيف من آثار تغير المناخ على العمليات الديمقراطية والحكم.