_ ثقة تيفي
كشف تقرير ميداني شامل أعده فريق دولي من الخبراء في الهندسة الزلزالية عقب الزلزال المدمر في الحوز في شتنبر 2023، عن ضعف كبير في البنية الإنشائية لعدد من المباني التقليدية والحديثة المعدلة في المناطق المتضررة، خاصة في المناطق الريفية والمراكز الجبلية مثل أمزميز. وقد أسهم هذا الضعف في تفاقم الأضرار عقب الزلزال وتسبب في انهيارات جزئية وكاملة في بعض الحالات.
وأظهرت البيانات الميدانية للتقرير الذي نشر في مجلة ” Springer Nature” اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 40% من المباني الطينية أو الحجرية التقليدية في المناطق الجبلية المتأثرة تعرضت لأضرار جسيمة أو انهيارات كلية، بينما حافظت معظم المباني الخرسانية المسلحة في المراكز الحضرية الكبرى مثل مراكش على تماسكها الإنشائي.

ففي عينات من 127 مبنى تم فحصها في مناطق مثل أمزميز وتاحناوت، تبين أن 41% من المباني تم تصنيفها ضمن ضرر من الدرجة 3 أو أكثر وفق مقياس. EMS-98.. كما أظهرت النتائج أن 17% من المباني تعاني من ضعف هيكلي حرج يتطلب تدخلاً فورياً، في حين أن أكثر من 60% من المباني المبنية من الطوب أو الحجر غير المدعّم أظهرت قابلية كبيرة للانهيار في المستقبل.
من بين النماذج التي تم فحصها، تعرض مسجد دوار تيزي نتاست لانهيار شبه كلي في قاعته الرئيسية بسبب انفصال الجدران الطينية عن السقف الخشبي، مما أبرز ضعف الروابط الأفقية في البناء. كما تضررت بعض مساجد مراكش القديمة، حيث انفصلت الواجهات الخارجية ومالت الأعمدة الداخلية في بعضها، ما استدعى تدعيمًا طارئًا مؤقتًا باستخدام دعامات معدنية.
وفي حالة مدرسة ابتدائية في دوار أغبار، تعرض سقف أحد الفصول لانهيار جزئي بسبب غياب التسليح الأفقي وعدم وجود روابط رأسية بين الجدران. وعلى العكس، صمدت ثانوية تأهيلية في تحناوت بشكل جيد بفضل اعتمادها على هيكل خرساني مسلح مدعّم بجدران قصّ.
وقد ركزت بعثة التقييم على ضرورة تعزيز تدابير الوقاية وإعادة التأهيل في المناطق الأكثر تضررًا. وأوصت بتعزيز الإنفاذ الصارم لقانون الزلازل، بما يشمل تدعيم المباني القديمة والجديدة وفق معايير مقاومة الزلازل، وإطلاق برامج التعديل التحديثي للمباني الضعيفة مثل المدارس والمساجد والمجمعات السكنية القديمة. كما تم التأكيد على أهمية تحسين مراقبة جودة المواد في مواقع البناء وتعزيز برامج التدريب على أساليب البناء المقاوم للزلازل.
كما أوصت البعثة بإطلاق حملات توعية مجتمعية حول مخاطر الزلازل وطرق الاستجابة السريعة، بما في ذلك تدريبات على الإجلاء والاستجابة للأضرار. وأشارت إلى ضرورة تعزيز جهود البحث العلمي والمسح الزلزالي المحلي لدعم الدراسات الجيوتقنية الخاصة بالموقع، مما يسهم في توجيه عمليات التشييد وتقييم المخاطر بشكل أفضل.
اعتمد فريق التقييم على نموذج “OFPP 2023” السويسري لتقييم الأضرار الزلزالية، الذي يسمح بتقدير مستوى الضرر وتحديد مدى قابلية المبنى للسكن استنادًا إلى عناصر متعددة تشمل التصميم وجودة المواد والاستجابة الإنشائية للعناصر الحاملة وغير الحاملة. وتبين أن العديد من المباني في منطقة أمزميز تعاني من اختلالات إنشائية واضحة، مثل غياب الاتصالات الهيكلية الجيدة واستخدام الحجارة غير المنتظمة والملاط الترابي، إضافة إلى التعديلات غير المدروسة باستخدام الخرسانة المسلحة.
في حين أظهرت المباني الحديثة في مدينة مراكش، مثل الفنادق والمجمعات السكنية الجديدة، أداءً زلزاليًا جيدًا نسبيًا بفضل تقنيات البناء المعاصرة. عانت المدينة القديمة من أضرار جزئية خاصة في المنشآت التاريخية، حيث سُجلت آليات فشل مثل الإمالة خارج المستوى للجدران.
وأكد التقرير على ضرورة تشديد الرقابة على تطبيق قوانين البناء الزلزالي، خاصة في المناطق الريفية وشبه الحضرية، وإطلاق برامج لإعادة تأهيل المباني الضعيفة مثل المدارس والمستشفيات والمجمعات السكنية القديمة، مع توفير حوافز مالية للأسر. كما أوصى بتكوين البنائين المحليين على مبادئ البناء المقاوم للزلازل بهدف رفع الحد الأدنى من معايير السلامة، خاصة في المناطق التي يصعب فيها فرض تقنيات بناء باهظة.
اعتمد الفريق في تحليله على بيانات تم تنزيلها عبر بوابة الاتحاد الدولي لشبكات قياس الزلازل الرقمية (FDSN)، بالإضافة إلى ملاحظات ميدانية وصور تم التقاطها من طرف الباحثين خلال المهمة التي نُفذت مباشرة بعد الزلزال.
وتشكل هذه الدراسة مساهمة علمية وعملية هامة في الجهود الوطنية والدولية لتحسين أداء البناء وتعزيز قدرة المجتمعات المغربية على التكيف مع المخاطر الزلزالية في ظل التغيرات المناخية والجيولوجية المتسارعة.