ثقة تيفي
شهد الإسلام، الذي يُعدّ الدين الرئيسي الأسرع نمواً في العالم، ارتفاعاً في حصته من سكان العالم، وكذلك الحال بالنسبة لأولئك الذين لا ينتمون إلى أي ديانة، وفقاً لتقرير صدر عن مركز بيو للأبحاث يوم الإثنين 5 يونيو 2025.
وارتفع عدد المسلمين في العالم بنسبة 21٪ بين عامي 2010 و2020، من 1.7 مليار إلى 2.0 مليار. ونما عدد المسلمين بمعدل يزيد مرتين عن معدل نمو سكان العالم ككل، الذي بلغ 10٪ خلال الفترة نفسها.
بالمجمل، زاد عدد المسلمين بمقدار 347 مليون نسمة، أي أكثر من الزيادة التي سجلتها جميع الديانات الأخرى مجتمعة.
وارتفعت نسبة المسلمين من سكان العالم بمقدار 1.8 نقطة مئوية لتصل إلى 25.6٪، استناداً إلى التقرير الذي اعتمد على تحليل أكثر من 2700 إحصاء ومسح ديني حول العالم.
سُجل أعلى معدل لنمو عدد المسلمين في أمريكا الشمالية، حيث ارتفع عددهم إلى 5.9 مليون في عام 2020 (بزيادة 52٪)، تلتها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، حيث نما عدد المسلمين إلى 369 مليون (بزيادة 34٪).
في جميع المناطق تقريباً، نما عدد المسلمين بمعدل أسرع من عدد السكان غير المسلمين، باستثناء منطقة واحدة: أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، التي تضم أقل عدد من المسلمين، حيث ارتفع عدد المسلمين بنسبة 6٪، بينما نما عدد السكان غير المسلمين بنسبة 10٪.
ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة المسلمين ضمن سكان جميع المناطق باستثناء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وسُجّل أكبر ارتفاع في نسبة المسلمين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث شكلوا 26٪ من السكان عام 2020 (بزيادة 1.4 نقطة مئوية).
كما شكل المسلمون 33٪ من سكان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (بزيادة 0.8 نقطة) و6٪ من سكان أوروبا (بزيادة 0.7 نقطة).
منذ عام 2010، أصبح التوزيع الجغرافي للمسلمين أكثر تركزاً في إفريقيا جنوب الصحراء، التي باتت تحتضن 18٪ من مسلمي العالم (بزيادة نقطتين مئويتين).
في المقابل، انخفضت نسبة المسلمين المقيمين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 59٪ من مجموع المسلمين في العالم (بانخفاض نقطتين).
++ الدول التي تضم أكبر عدد من المسلمين:
يعيش ثلث مسلمي العالم في ثلاث دول: إندونيسيا، باكستان، والهند. وتحتل إندونيسيا المرتبة الأولى بعدد المسلمين، حيث يعيش فيها نحو 240 مليون مسلم، أي ما يمثل نحو 12٪ من إجمالي مسلمي العالم في عام 2020.
وتضم الدول العشر الأولى التي بها أكبر عدد من المسلمين ما مجموعه 1.3 مليار مسلم، أي 65٪ من إجمالي المسلمين في العالم. في تسع من هذه الدول، يشكل المسلمون الأغلبية السكانية، فيما تُعد الهند الاستثناء الوحيد، إذ يعيش فيها 213 مليون مسلم يمثلون 15٪ فقط من سكان البلاد.
++ أين تغيّرت نسبة المسلمين من السكان بشكل ملحوظ؟
في خمس دول، تغيّرت النسبة المقدّرة للمسلمين من مجموع السكان بشكل كبير (بمقدار 5 نقاط مئوية أو أكثر):
كازاخستان: شهدت أكبر زيادة في نسبة المسلمين من السكان (بزيادة 8 نقاط مئوية)، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تراجع نسبة المسيحيين، التي انخفضت من 27٪ عام 2010 إلى 19٪ عام 2020. (كازاخستان دولة ذات أغلبية مسلمة تفرض قيوداً صارمة على النشاط الديني).
بنين: تشير التقديرات إلى أن نسبة المسلمين ارتفعت أيضاً بمقدار 8 نقاط مئوية، رغم أن بعض مصادر البيانات تشير إلى أن الزيادة قد تكون أقل من ذلك.
لبنان : ارتفعت نسبة المسلمين بـ5 نقاط مئوية، مدفوعة بشكل أساسي بتدفق اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا.
عُمان: سجّلت أكبر تراجع في نسبة المسلمين من السكان (بانخفاض 8 نقاط مئوية)، ويُعزى ذلك إلى الهجرة الكبيرة، إذ ارتفعت نسبة السكان المولودين في الخارج من 30٪ عام 2010 إلى نحو نصف السكان في عام 2020. وكان الوافدون الجدد أقل احتمالاً للانتماء إلى الإسلام مقارنة بالسكان الأصليين.
تنزانيا: انخفضت نسبة المسلمين من سكان البلاد بمقدار 6 نقاط مئوية، ويرتبط ذلك بانخفاض معدلات الخصوبة بين المسلمين مقارنة بغيرهم. بين عامي 2010 و2015، كان معدل الإنجاب بين النساء المسلمات 4.6 أطفال لكل امرأة، أي أقل بطفل واحد تقريباً من المعدل العام للنساء التنزانيات (5.5 أطفال).
في أوروبا، شهدت عدة دول زيادة في نسبة المسلمين من السكان، ويرجع ذلك إلى مزيج من الهجرة وارتفاع الخصوبة بين المسلمين مقارنة بغيرهم، إلا أن أياً من هذه الزيادات لم تتجاوز 5 نقاط مئوية.
على سبيل المثال، ساهم تدفق اللاجئين السوريين في نمو متواضع في نسبة المسلمين بكل من السويد (بزيادة 4 نقاط)، والنمسا (بزيادة 3 نقاط)، وألمانيا (بزيادة نقطة واحدة).
++ تراجع المسيحية
وأظهر التقرير عن المشهد الديني العالمي 2010-2020، أن المسيحيون ظلّوا أكبر جماعة دينية في العالم حتى نهاية العقد الذي انتهى في عام 2020، إلا أن نمو المسيحية لم يواكب الزيادة السكانية العالمية.
ورغم أن عدد المسيحيين الإجمالي، بمختلف طوائفهم، استمر في الارتفاع ليبلغ 2.3 مليار نسمة، فإن نسبتهم من سكان العالم انخفضت بـ1.8 نقطة مئوية لتصل إلى 28.8%، وهو تراجع تُعزى أسبابه بشكل كبير إلى تزايد ظاهرة ترك الدين.
وقال كونراد هاكيت، المؤلف الرئيسي للتقرير من مركز بيو “من اللافت حقًا حدوث هذا التغير الكبير خلال فترة قصيرة من عشر سنوات… في هذه الفترة، اقترب عدد المسلمين والمسيحيين من بعضهما البعض، وكان المسلمون الأسرع نموًا بين جميع الديانات الكبرى”.
ويعزو التقرير نمو الإسلام إلى عوامل من أبرزها صِغر سن السكان المسلمين — بمتوسط عمر يبلغ نحو 24 عامًا مقابل متوسط عالمي لغير المسلمين يبلغ نحو 33 عامًا في عام 2020 — بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الخصوبة في بعض المناطق، وانخفاض نسب ترك الدين مقارنة بديانات أخرى، خاصة المسيحية.
وقال كونراد هاكيت، المؤلف الرئيسي للتقرير من مركز بيو، “من بين الشباب، مقابل كل شخص يتحول إلى المسيحية، هناك ثلاثة أشخاص وُلدوا مسيحيين ويغادرون الدين”.
وبحسب الدراسة، فإن أكبر نسبة من المسيحيين — نحو 31% — توجد حاليًا في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما كانت أوروبا سابقًا تضم العدد الأكبر من المسيحيين في العالم.
وأوضح هاكيت “وهذا نتيجة للخصوبة العالية، وصغر سن السكان، والنمو السريع عمومًا في أفريقيا جنوب الصحراء، مقابل التقدم في العمر، وانخفاض الخصوبة، وتزايد ترك الدين في أوروبا”.
وساهمت ظاهرة “تبديل الدين” — المنتشرة بكثرة بين المسيحيين — في الارتفاع العالمي لعدد غير المنتمين لأي ديانة، حيث لم يعرّف نحو ربع سكان العالم أنفسهم على أنهم متدينون في عام 2020 (24.2%) مقارنة بـ23.3% في عام 2010.
من حيث النسبة المئوية، كان اليهود أصغر مجموعة في الدراسة، حيث يمثلون حوالي 0.2٪ من سكان العالم.
اعتبارا من عام 2020، كان 45.9٪ من اليهود يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بينما يقيم 41.2٪ في أمريكا الشمالية.
وفي عام 2010 ، كانت أمريكا الشمالية هي المنطقة التي يعيش فيها أكبر عدد من اليهود. كان هذا التحول في المقام الأول نتيجة لنمو عدد اليهود في إسرائيل من 5.8 مليون إلى 6.8 مليون بين عامي 2010 و 2020 ، من خلال مزيج من الزيادة الطبيعية والهجرة.
++ ارتفاع غير المتدينين
كانت التوقعات السابقة تشير إلى أن عدد غير المتدينين سيتناقص بسبب ارتفاع معدل أعمارهم وانخفاض معدلات الإنجاب، لكن تزايد مغادرة الناس للدين، لا سيما المسيحية، أدى إلى ارتفاع عددهم، بحسب هاكيت.
وتضم الصين أكبر عدد من غير المنتمين إلى أي ديانة في العالم: 1.3 مليار شخص من أصل 1.4 مليار، تليها الولايات المتحدة بـ101 مليون من أصل 331.5 مليون، ثم اليابان بـ73 مليون من أصل 126.3 مليون.
وفي الصين، من الشائع أن يكون لدى الناس معتقدات دينية، لكن فقط 10% منهم يُعرفون أنفسهم رسميًا بانتمائهم لدين معين، وفق تقرير سابق لمركز بيو عام 2023.
وبطريقة مشابهة، يقيس التقرير الجديد الانتماءات الدينية بناءً على ما يصفه الأفراد عن أنفسهم، وقد لا يعكس بالضرورة كل التعقيدات والهويات الدينية المتغيرة. فالكثير من الناس قد يملكون معتقدات روحية أو يشاركون في طقوس دينية دون أن يعرّفوا أنفسهم بانتماء ديني رسمي.
أما البوذيون، فكانوا الجماعة الوحيدة التي انخفض عدد أتباعها بين عامي 2010 و2020، من 343 مليونًا إلى 324 مليونًا، ويُعزى ذلك إلى ترك الدين وانخفاض معدلات الولادة. في المقابل، حافظ أتباع الديانة الهندوسية واليهودية على نسب مستقرة مع نمو السكان العالمي.
واختتم هاكيت بالقول “في بعض الأحيان نسمع عن انتعاش ديني محتمل، ومن المؤكد أنه في بعض المناطق يمكن أن تنمو بعض الديانات. لكن في هذا البحث الدقيق الممتد لعشر سنوات، لاحظنا اتجاهًا عامًا بأن كثيرين باتوا يبتعدون عن الدين”.
وبناءً على أنماط تبديل الديانة والفروقات في العمر والخصوبة، يقدّر هاكيت أن “التقارب بين المسيحيين والمسلمين سيستمر، وقد يصبح الإسلام أكبر ديانة في العالم مستقبلاً ما لم تتغير هذه الاتجاهات”.
وتعد هذه الدراسة هي جزء من مشروع بيو تمبلتون العالمي للمستقبل الديني ، الذي يسعى إلى فهم التغيير الديني العالمي وتأثيره على المجتمعات.
وأشار هاكيت إلى أن الخطوة التالية في المشروع البحثي ستكون إجراء توقعات ديموغرافية لتقدير الوقت الذي قد تصل فيه أعداد المسلمين والمسيحيين إلى نقطة التساوي.