لأرقام الرسمية حول المؤشرات السوسيو اقتصادية في الاتحاد الأوروبي تدق ناقوس الخطر حول مستقبل القارة العجوز في ظل زحف كابوس الفقر على ساكنة الاتحاد.
وتوالت التقارير التي تؤكد أن الأوروبيين يواجهون واقعا اقتصاديا لم يشهدوه منذ عقود، وأنهم يصبحون يوما عن يوم أكثر فقرا وقدرتهم الشرائية في تدهور مسترم.
والظاهرة وإن تفاقمت مع الأزمات الأخيرة مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المحروقات، إلا أنها تجذرت قبل ذلك بسنين.
القفة تتحدث لغة الفقر
ونقلت قناة الحرة عن تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الفرنسيين يتخلون عن وجباتهم الشهيرة والنبيذ الأحمر، فيما تراجع استهلاك اللحم واللبن في ألمانيا إلى أدنى مستوى منذ ثلاثة عقود.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن بوادر الأزمة الحالية في القارة الأوروبية بدأت منذ وقت طويل، فأغلب السكان كبار في السن ويفضلون الاستمتاع بوقت الفراغ والأمان الوظيفي عن الادخار، وظهرت نتيجة ذلك على النمو الإنتاجي والاقتصادي الشاحب. وجاءت ضربة أخرى من جائحة كوفيد-19 وثالثة من الحرب الروسية في أوكرانيا.
ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء بشكل صاروخي في ظل الاضطراب في سلاسل التوريد خلال جائحة كورونا، واشتدت تداعيات المرض الذي كانت أعراضه خفيفة وصارت أقوى وأقوى مع مرور الوقت.
وفاقمت التحركات الحكومية الأزمة، بحسب “وول ستريت جورنال” إذ تم توجيه الإعانات المالية إلى أصحاب الأعمال وتُرك المستهلكون دون دعم مالي في مواجهة ارتفاع الأسعار، وذلك في وقت فعلت فيه الولايات المتحدة العكس، ووجهت الحكومة الدعم المالي مباشرة إلى المواطنين، وفقا لتقرير الصحيفة.
خمس السكان عرضة لخطر الفقر
وكان ” يوروستات”، المكتب الإحصائي للإتحاد الأوروبي قد نشر تقرير له أنه في عام 2018 كان هناك ما يقارب 109 مليون شخص أو ما نسبته 21.7 ٪ من سكان الإتحاد الأوروبي عرضة لخطر الفقر أو الإقصاء الإجتماعي.
وحسب “يورونيوز” فهذه الأرقام الصادمة تشير إلى أن واحداً من كل ستة أشخاص أوروبيين يعانون من الفقر، وواحد من كل 17 شخصاً يعاني من الفقر المدقع بينهم ما يزيد عن 20 ٪ من الرجال وحوالي 22.5 ٪ من النساء.
إلّا أن هذه النسب، حسب نفس الصحيفة، تتباين بشدة بين دولة أوروبيةٍ وأخرى.
ففي سبع دول أعضاء في الإتحاد الأوروبي، هناك شخص واحد من بين كل أربعة أشخاص معرض لخطر الفقر. في المقام الأول: بلغاريا، حيث يشكل خطر الفقر الأعلى نسبة (32.8%)، تليها رومانيا (32.5%) ، واليونان (31.8 %) وإيطاليا (27.3 %) وإسبانيا (26.1 %).
وتشير الأرقام أيضاً إلى أن 1 من كل 17 أوروبياً يعانون من الفقر المادي الشديد. هذا يعني أنهم يعيشون ظروف معيشية صعبة بسبب نقص الموارد، على سبيل المثال عدم القدرة على تحمل الفواتير وسدادها.
تراجع مقلق للأجور
ويمتلك الاتحاد الأوروبي حاليا، حسب قناة الحرة، نحو 18 بالمئة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي العالمي، فيما تملك الولايات المتحد 28 بالمئة. وكان كل منهما يمثل قبل خمسة عشر عاما ربع الاستهلاك العالمي.
بسبب التضخم وضعف القوة الشرائية، تراجعت قيمة الأجور بنسبة 3% في ألمانيا منذ عام 2019، وبنسبة 3.5% في إيطاليا وإسبانيا و6% في اليونان. فيما ارتفعت القيمة الحقيقة للأجور في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة بنسبة 6%، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
وصلت تداعيات الأزمة إلى الطبقة المتوسطة، ففي بروكسل التي تعد من إحدى أغنى المدن في أوروبا، وقف المدرسون وموظفو التمريض في طوابير من أجل الحصول على البقالة بنصف الثمن من متجر يحمل اسم ” Happy Hours” ويجمع الطعام الذي توشك صلاحيته على الانتهاء، من المتاجر ويعلن عنها من خلال تطبيق إلكتروني، ويمكن للعملاء الشراء بأسرع وقت بنصف الثمن والحصول على بقالتهم في المساء.
ظهرت خدمات شبيهة في بلدان مختلفة مثل الدنمارك وألمانيا وفنلندا والمملكة المتحدة، في محاولات لتقليل إهدار الطعام، وفي نفس الوقت توفير الأموال.
وشهد اقتصاد منطقة الاتحاد الأوروبي نموا بنسبة 6% خلال الخمسة عشر عاما الماضية، مقارنة بمعدل نمو 82% للولايات المتحدة، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي. ويجعل ذلك كل دولة تقريبا في أوروبا أفقر من أغلب الولايات الأميركية.
الفجوة مع الولايات المتحدة تتفاقم
وبحسب تقرير صدر هذا الشهر عن المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، وهو مؤسسة مستقلة مقرها بروكسل، فإنه وفق هذه الوتيرة ستكون الفجوة بين الناتج الاقتصادي للفرد في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحلول عام 2035، مثل الفجوة بين اليابان والإكوادور حاليا.
وأعلن مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، نهاية الشهر الماضي، أن التضخم بدأ في التباطؤ في أوروبا بفضل انخفاض أسعار الطاقة، حيث وصل تضخم أسعار الاستهلاك إلى 5,5% على أساس سنوي في يونيو في منطقة اليورو بعد نسبة 6,1% في مايو.
وتراجع إلى النصف تقريبا منذ الرقم القياسي البالغ 10,6% الذي سجل في أكتوبر 2022 عندما انعكست آثار الحرب في أوكرانيا على أسعار الغاز والنفط، بحسب فرانس برس.
ولكن يبقى المعدل أعلى بكثير من الهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي وهو 2%، وحاول تحقيق ذلك بتشديد السياسة النقدية على نطاق غير مسبوق خلال العام الماضي، ورفع معدلاته الرئيسية بواقع أربع نقاط مئوية خلال الأشهر الأحد عشر الماضية.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية (بما في ذلك الكحول والتبغ) التي ارتفعت مرة أخرى بنسبة 11,7% على أساس سنوي في يونيو، وهذا يعد تباطؤا مقارنة بشهر مايو (12,5%).
كما أن ارتفاع أسعار السلع الصناعية (باستثناء الطاقة) كان أقل في يونيو حيث ارتفع بمعدل 5,5% بدلا من 5,8% في مايو.
وتسارعت الزيادة في أسعار الخدمات إلى 5,4% بعدما كانت 5% في مايو.
المصدر: “قناة الحرة” + “يورونيوز”