الدكتور الحبيب الشوباني
المقالة الرابعة والعشرون
الأساطير المؤسسة للحل الصهيوني للمسألة اليهودية:
حسب جماعة “المؤرخون الإسرائيليون الجدد”: المؤرخ Ilan Pappé نموذجا (2/ 2)
- في كتابه “الأساطير العشر المتعلقة بإسرائيل”، يصنف Pappé هذه الأساطير زمنيا حسب التصنيف التالي: (أولا)، أساطير الزمن الماضي، وعددها ستة (6): (1) أسطورة أن فلسطين كانت أرضاً فارغة Palestine was an Empty Land؛ (2) أسطورة أن اليهود كانوا شعباً بلا أرضThe Jews were a people with out a land؛ (3) أسطورة أن الصهيونية هي اليهودية Zionism is Judaism؛ (4) أسطورة أن الصهيونية ليست استعماراً Zionism is not Colonialism؛ (5) أسطورة أن الفلسطينيين غادر أوطانهم طوعاً عام 1948The 1948Palestinians Voluntarily Left their Homelands in ؛ (6) أسطورة أن حرب يونيو 1967 كانت حرب “بلا خيار” The June 1967 War was a war of ‘No Choice’. وأما أساطير الزمن الحاضر فقد أدرج فيها Pappé ثلاثة أساطير: (1) إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط Israel is the only democracy in the Middle East؛ (2) الأساطير حول اتفاق أوسلو The Myths about the Oslo Agreement؛ (3) أسطورة الأكاذيب التي نرويها عن غزة The Lies we tell about Gaza. وبخصوص الصنف الأخير المتعلق بأساطير المستقبل، فقد صنف فيها أسطورة واحدة، وهي: أسطورة أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما The two state solution is the only way forward. وفيما يلي بيان مركَّز لأطروحة المؤرخ Pappé بشأن هذه الأساطير :
- الأسطورة الأولى: تقوم أسطورة “كانت فلسطين أرضاً فارغة” على ترويج خرافة أن فلسطين ظلت عبر تاريخها الطويل أرضا غير مأهولة ولا مزروعة، تنتظر استقبال شعب لا أرض له ! وقد أثبت Pappé استنادا إلى نتائج عمل العديد من المؤرخين أن هذا الادعاء باطل، وأن فلسطين قبل الحكم العثماني ثم تحت سلطانه، كانت مجتمعا مزدهرا ذو طبيعة قروية، مع وجود مراكز حضرية متنامية ونشيطة جدا؛ لكن هجرة اليهود التي تمت تحت غطاء الانتداب البريطاني وبمخطط استيطاني صهيوني، عرقل تحول فلسطين إلى دولة فلسطينية بعد تفكيك الخلافة العثمانية، على غرار ما حصل في العراق وسوريا، على سبيل المثال.
- الأسطورة الثانية: تعتبر أسطورة “كان اليهود شعباً بلا أرض” فرعا من الأسطورة الأولى، ويشكل امتدادا من جنسها وطبيعتها الخرافية، لأنها تقوم على ادعاء وجود صلة وراثية un lien généalogique بين المستوطنين الصهاينة الذين دشنوا الهجرة إلى فلسطين منذ 1882، قادمين إليها من أوروبا حيث عاشوا كمجموعات أوروبية مضطهدة من طرف مواطنيهم المسيحيين، وبين “بني إسرائيل” – [أي أبناء يعقوب من يهود فلسطين العبرانيين الساميين الذين عاشوا في بلاد الشام خلال العصر الروماني، قبل أن يطردهم منها الامبراطور تيتوس Titus في العام 70م]؛ وهو ادعاءٌ الغايةُ منه تبرير الاستعمار والسلب، وحتى الإبادة الجماعية للسكان الأصليين. وردا على هذا الادعاء، يؤكد Pappé أن العديد من الأعمال الأكاديمية أظهرت أن يهود “فلسطين الرومانية” مكثوا هناك ! [وهو ما يجعل فكرة “الشتاتdiaspora “ التي تسوق لها الصهيونية تفصيلا مهما من تفاصيل هذه الأسطورة، لأن جلَّهم عاشوا التحول العقدي من اليهودية نحو المسيحية مع بعثة المسيح عليه السلام، ثم التحول من المسيحية نحو الإسلام لاحقا؛ وبذلك يكون اليهود القادمون لفلسطين من أوروبا من أعراق غير سامية ولا علاقة لهم ب“بني إسرائيل“]. كما أكد أن العلاقة بين الجماعات اليهودية في العالم وبين فلسطين، قبل مشروع “الحل الصهيوني للمسألة اليهودية“، كانت دائما علاقة روحية ودينية، ولم تكن أبدا علاقة سياسية مرتبطة بمطالبَ في الأرض أو بتكوين وطن قومي لليهود.
- الأسطورة الثالثة: تقوم أسطورة “الصهيونية هي اليهودية ” على جعل الجمهور الصهيوني وشعوب الغرب يؤمنون بأن الصهيونية متطابقة تاريخيا مع اليهودية، وأن رد فعل السكان الفلسطينيين على وصول المستوطنين اليهود الأوائل، ووجه من أول يوم بأعمال العنف والإرهاب، بسبب مشاعر “معاداة السامية” التي تعني معاداة اليهود بسبب يهوديتهم؛ وأن هذا الشعور لم ينقطع لا قبل إنشاء “إسرائيل” ولا بعد نجاح الحركة الصهيونية في إقامة كيانها. لكن Pappé فَنَّدَ عِلْميا هذا الادعاء من خلال مذكرات يهود طلائع الهجرة الأوائل، والتي تؤكد على العكس من ذلك، أن الفلسطينيين استقبلوهم بشكل جيد للغاية، وقدموا لهم السكن، وعلَّموهم كيفية زراعة الأرض. لكن هؤلاء الفلسطينيين أنفسهم، عندما تأكد لهم أن هؤلاء اليهود منخرطون في مشروع صهيوني استئصالي، وأنهم يعملون للحلول محل السكان الأصليين؛ انتفضوا ضدهم، ورفضوا التعايش معهم، وهكذا نشأت المقاومة الفلسطينية التي لا تختلف في أسباب نشأتها عن غيرها من كل الحركات المناهضة للاستعمار في العالم.
- الأسطورة الرابعة: تقوم أسطورة “الصهيونية ليست استعماراً” على ادعاء عدم وجود علاقة بين الاستعمار والصهيونية. وتهدف هذه الدعاية إلى تسويق صورة إيجابية وطبيعية للحركة الصهيونية، تجعل الشعوب الغربية خاصة تتقبلها كحركة “ليبرالية” للتحرر الوطني؛ وهو ما يجعل “الاحتفال بعيد الاستقلال” في 15 ماي 1948 – الذي هو تاريخ النكبة في حياة الشعب الفلسطيني – رمزا مهما من رموز هذه الأسطورة. لكن Pappé يبني الحجة التاريخية المضادة بناء علميا يبين فيه أن الصهيونية مشروع استعماري استيطاني استئصالي، على غرار ما حصل في جنوب أفريقيا والأمريكيتين وأستراليا. وتكمن أهمية هذا الرد في أنه يغير الطريقة التي ينظر بها العالم للمقاومة الفلسطينية للصهيونية، ولاحقًا ل”إسرائيل”. لأنه إذا كانت “إسرائيل” مجرد دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها، فإن المنظمات الفلسطينية تصبح منظمات إرهابية بحتة. أما إذا كان نضالهم موجها ضد مشروع استعماري، فإنهم يصبحون جزءا من حركة مناهضة للاستعمار، وستكون صورتهم الدولية مختلفة تماما عن تلك التي تحاول إسرائيل ومؤيدوها فرضها على الرأي العام العالمي.
- الأسطورة الخامسة: تقوم أسطورة “غادر الفلسطينيون أوطانهم طوعاً عام 1948، على نشر وترسيخ أربع روايات مغلوطة تصنع سرديةً صهيونيةً متكاملةً عن حرب 1948، وهي كما يلي: (أولا) الادعاء بأن الفلسطينيين مسؤولون عن كل المآسي التي يعيشونها، لأنهم رفضوا خطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة في 29 نونبر 1947. وهذا الادعاء كاذب حسب Pappé ، ولا يعدو أن يكون محاولة لإخفاء الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية للوجود الصهيوني في فلسطين، وتبرير الإبادة والتهجير برفض قرار التقسيم الذي رفضه زعماء الصهاينة (يراجع تصريح بن غوريون في المقالة رقم 22)؛ و(ثانيا) الادعاء بأن الفلسطينيين لم يُخلوا منازلهم – فيما يسمونه بعام “النكبة” – بالقوة وإرهاب المنظمات الصهيونية، بل بمحض إرادتهم، واستجابة لنداء الزعماء العرب الذين طلبوا منهم فتح الطريق للجيوش العربية القادمة لتحريرهم ! قبل أن يتم تعديل هذه الرواية المنسوبةِ صناعتُها لأول وزير خارجية للكيان الصهيوني، البولندي الأصل Moshe Sharett، ثم إنتاج مؤرخي الحركة الصهيونية لرواية ثانية تقول بأنهم هاجروا فرارا من الحرب ! لكن Pappé أثبت الحقيقة التاريخية التي تقول بأن نصف الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين، تم طردهم قبل بدء الحرب في 15 ماي 1948، وأن الباقي فرّ من مذابح المنظمات الصهيونية كما حصل في مذبحة الطنطورة؛ و(ثالثا) ادعاء أن “إسرائيل” كانت في حالة استضعاف عددا وعدة، وأنها تشبه “داوود” الذي واجه “جالوت العربي“. لكن Pappé أثبت أن الجيوش العربية التي أُرسلت إلى فلسطين – بعد إنشاء “إسرائيل” كرد فعل على جرائم التطهير العرقي التي تعرض الفلسطينيون منذ فبراير 1948 – كانت أقل عددا وتجهيزا وتدريبا من الجيش الصهيوني المستفيد من دعم وتأطير القوى الاستعمارية الغربية؛ و(رابعا) الادعاء بأن “إسرائيل” اعتمدت سياسة اليد الممدودة للتصالح مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب بعد حرب 1948، غير أن الفلسطينيين والعرب قوم متخصصون في إضاعة فرص السلام ! لكن Pappé أثبت بالوثائق، أن غرور القوة بعد 1948 تعاظم عند القادة الصهاينة، وهو ما جعلهم يرفضون بشكل قاطع أي مشاركة في مناقشة مستقبل فلسطين أو حق عودة اللاجئين، وأنهم بسبب ذلك اغتالوا مبعوث الأمم المتحدة “الكونت برنادوت“، ورفضوا بشكل منهجي المشاركة في أي مفاوضات تفضي إلى حل سلمي يحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية على أرضه.
- الأسطورة السادسة: تؤسس أسطورة “حرب يونيو 1967 كانت حرب “بلا خيار” في الوعي الغربي على وجه الخصوص خرافة أن حرب 1967 قد فُرضت على “إسرائيل”، وبالتالي «لم يكن لديها خيار» لرفضها؛ وبأنها اضطرت لاحتلال الضفة الغربية وغزة في العام 1967 فقط للاحتفاظ بهما، رغبة منها في ترك الفرصة للفلسطينيين والعرب حتى تنضج لديهم فكرة السلام، وتعيدها إليهم في إطار حل نهائي يحقق السلام للجميع ! لكن Pappé يتحمل مسؤولية القول العلمي بأن هذا الأمر ادعاء باطل، وأن الحرب كانت جزءًا من خطة مرسومة سلفا تقضي باستكمال “إسرائيل” برنامجها في الاستيلاء على كل فلسطين تطبيقا لمنظور ديني توراتي، والذي كان قد اكتمل تقريبًا في حرب عام 1948. كما أكد أيضًا أن الإجراءات التي تم اتخاذها مباشرة بعد الاحتلال تثبت أن دخول “إسرائيل” إلى الحرب لم يكن بأي حال من الأحوال عَرَضيًا، بل كان مُتوقَّعًا ومدبَّرا. كما أكد أن هذا الادعاء الباطل تفضحه مواقف وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة الذين يعتبرون حرب 1948 فرصة ضائعة، لأنها كانت فرصة فريدة لاحتلال كامل فلسطين من البحر إلى النهر وتطهيرها عرقيا من الفلسطينيين؛ نفس القادة ينسبون – حسب جزء يسير من وثائق الأرشيف الصهيوني التي تم الإفراج عنها واطلع عليها Pappé – سبب تضييعهم للفرصة بالاتفاق الضمني مع دولة الأردن للحد من مشاركتها في المجهود الحربي العربي مقابل ضمها للضفة الغربية. لقد كشف المؤرخ Pappé أن العقيدة العسكرية والسياسية للكيان الصهيوني عقيدة توسعية وأن ضم الضفة وغزة كان ضمن الخطط المرحلية للبرنامج الاستعماري لكامل فلسطين منذ 1948، وقد تم تنفيذ الخطة في 1967 عندما سنحت الفرصة بذلك.
- الأسطورة السابعة: تدعي هذه الأسطورة أن “إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط“ ! وأنها دولة مسالمة وخيِّرة وحريصة على السلام مع جيرانها، وأن مواطنيها متساوون في الحقوق والواجبات داخل حدود 1967. وقد بين Pappé أن هذه الخرافة لا أساس لها في الواقع، لأن سكان “إسرائيل” البالغ عددهم رسميا في إحصاء 2023 حوالي 9مليون و700 ألف نسمة، خمُسُهم فلسطينيون – بساكنة تقدر ب 2 مليون و50 ألف نسمة يسمون ب”عرب إسرائيل” – يعيشون في كل تفاصيل حياتهم كمواطنين من الدرجة الثانية؛ ينضاف إليهم حوالي 5 ملايين ونصف المليون فلسطيني في الضفة والقطاع، يخضعون بحكم القانون الدولي لمسؤولية “إسرائيل” كدولة احتلال؛ وهو احتلال عسكري لا يرحم، يمارس أبشع الانتهاكات يوميا في حق الفلسطينيين، ويحرمهم من أبسط حقوقهم. ينضاف إلى ذلك، أن سياسة “إسرائيل” تجاه جيرانها العرب عدوانية ممنهجة، منذ حرب العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 بتنسيق وتعاون مع بريطانيا وفرنسا، ثم بمختلف الحروب والأعمال العدائية التي شنتها على مدى عقود ضد لبنان والعراق وسوريا، وضد فصائل المقاومة في وطن اللجوء، وداخل غزة.
- الأسطورة الثامنة: بخصوص أسطورة المعنونة ب” الأساطير حول اتفاق أوسلو“، يؤكد Pappé أنه بعد مرور نحو ربع قرن على توقيع اتفاق أوسلو، لدى الجميع اليوم معطيات كافية ومنظور جيد لتقييم هذه العملية، وتحديد ما إذا كان الأمر يتعلق باتفاق سلام فَشَلَ، أم بحيلة إسرائيلية ناجحة لتوسيع الاحتلال. إن هذه الأسطورة تفضح الادعاء بأن اتفاقيات أوسلو تعكس الرغبة المشتركة لدى الطرفين لإيجاد حل نهائي للصراع. إن هذا الادعاء يخفي حقيقة تاريخية مفادها أن “خطة تقسيم فلسطين” مفهوم صهيوني فرضه الغرب في الأمم المتحدة، وهي خطة ظل الفلسطينيون يرفضونها حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي؛ ففي هذه الأثناء، انتقلت حصة الأرض التي يجب أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية طبقا لخطة التقسيم من حوالي 50% إلى حوالي 15%. وبذلك فإن تسمية هذه القطعة الأرضية المجزأة بين غزة والضفة “دولة فلسطينية“، مجرد إملاء لإرادة المتغلِّب على المغْلوب، وليست في الحقيقة سوى “بانتوستان فلسطيني” ممزَّق. [يستخدم مصطلح “بانتوستان Bantustan ” بمعنى ازدرائي/احتقاري لوصف منطقة تفتقد لأي نوع من الاستقلال أو الشرعية السيادية الكاملة، وتتألف من عدة جيوب غير متصلة. استعمل المصطلح لأول مرة في أواخر الأربعينيات للدلالة على عشر مناطق مخصصَّة للسود في جنوب أفريقيا، وعشر مناطق مخصصَّة للسود في جنوب غرب أفريقيا (ناميبيا حالياً)، كجزء من سياسة الفصل العنصري/ الأپارتهايد Apartheid الرامية لتجميع أعضاء بعض الجماعات العرقية في مناطق تكون متجانسة عرقياً، كأساس لإنشاء دول قومية “مستقلة“، لكنها مجرد جزر متناثرة وخاضعة لسلطة الأوروبيين العنصريين البيض. وقد أُلغيت البانتوستانات مع انهيار نظام الفصل العنصري، وأُعيد ضمها لجنوب أفريقيا عام 1994]. يؤكد Pappé أن “البانتوستان الفلسطيني” أبعد ما يكون عن تحقيق حلم عودة اللاجئين الفلسطينيين، أو إقامة كيان فلسطيني مستقل وقابل للحياة. لقد حاول ياسر عرفات الحصول على استقلال ولو جزئي لفلسطين، لكن المحاولة أدت إلى تدمير شبه كامل لفلسطين والفلسطينيين، حسب Pappé.
- الأسطورة التاسعة: تقوم أسطورة “ الأكاذيب التي نرويها عن غزة ” على خرافة القول بأن بؤس السكان في غزة يرجع إلى الطبيعة الإرهابية لحركة حماس، وأن “إسرائيل” خرجت من غزة سنة 2005 من أجل السلام وليس بسبب ضربات المقاومة. يُقر Pappé أن هذا القول الصهيوني لا يخرج عن عموم منظور سياسة “إسرائيل” التي تعتبر النضال الفلسطيني أعمالا إرهابية لا غاية لها سوى زرع الرعب؛ وهي خرافة أعجز من أن تحجب حقيقة أن النضال الفلسطيني الذي بدأ مع منظمة التحرير الفلسطينية هو في الواقع حرب تحرير، وهو مشروع مناقض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. لكن يبدو، حسب Pappé، أن منح الشرعية لنضال تحرري ضد الاستعمار عندما يكون المُضْطَهِد المعتدي يهوديا، أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، ويزداد تعقيدا عندما يكون المضْطَهَدون في غالبيتهم مسلمين. لتسفيه هذه الرواية الخرافية يشرح Pappé كيف أن جميع مبادرات الفلسطينيين للدفاع سلميا أو بالقوة عن حقوقهم اعتبرت في نظر الحركة الصهيونية إرهابا يجب قمعه بوحشية ومن خلال كافة وسائل العقاب الجماعي للسكان. أي أن الاحتلال الصهيوني لم يترك للفلسطينيين سوى خيار العيش في سجن العبودية الكاملة للمستوطنين، يتصرفون فيهم كعَمالة رخيصة بدون حقوق، أو خيار المقاومة المفضي للعقوبات الجماعية، وهدم المنازل، والاعتقال، والترحيل، والاغتيالات، والقتل الجماعي. ويؤكد Pappé أن هذه الأسطورة استعملت في الأوساط الغربية بشكل فعال لتكريس صورة الشيطنة لكل ما هو فلسطيني بنسبته للإرهاب، ولاحقا بربط الإسلام بالإرهاب بعد صعود نجم حماس كحركة مقاومة فلسطينية، كما أن هذه الشيطنة لم تختف رغم اتفاقيات أوسلو العام 1993 التي كانت تقضي باعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، رغم أن عدد الدول التي اعترفت بالمنظمة سنة 2001 أكبر مقارنة بالدول المعترفة بإسرائيل، ومع ذلك، مازالت اسرائيل إلى اليوم تعتبر المنظمة دمية في يد الإرهاب.
- الأسطورة العاشرة: تسوِّق أسطورة ” أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما ” لرواية صهيونية تضليلية عن قرب تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعن كون “حل الدولتين” أصبح على مرمى حجر بعد اتفاقيات أوسلو ! وهذه الخرافة يفضحها واقع الاحتلال الاستيطاني والضَّمِّ المباشر والهائل لأراضي الضفة الغربية. وهو ما يعني أن الحل الذي تعمل “إسرائيل” على فرضه بالقوة، لن يقود إلا إلى رقعة بائسة لا تتجاوز مساحتها 20% من الأراضي التي منحها قرار التقسيم الأممي في 1947، ولن تكون لها أي سيادة خاصة، كما بات من المستحيل أن يكون هناك حق عودة اللاجئين، كما ينص على ذلك القرار الأممي رقم 242؛ وبالتالي فإن هذه البقعة البائسة التي يفترسها الاستيطان (عدد المستوطنين يتجه بسرعة نحو بلوغ رقم مليون مستوطن صهيوني في الضفة)، ستشمل سكان الضفة فقط ! لأن غزة مستبعدة وخارج أي نقاش، كونها مستهدفة بمخططات صهيونية خاصة تقوم على الحصار والتهجير والتدمير بالحروب المتلاحقة؛ كما أن القسم الأعظم من القدس لن يكون ضمن تراب هذه “الدولة/البانتوستان الفلسطيني”.
(يتبع في الحلقة 25)