عزيزة الزعلي
أكد تقرير حديث صادر عن “المجلس الأطلسي” (مركز أبحاث أمريكي)، أن الهجرة المغربية إلى الخارج أكثر كثافة من بين بلدان المغرب العربي، سواء من حيث العدد أو تنوع بلدان المقصد، وكذلك هم أكثر من يرسل التحويلات المالية لبلدهم.
وقال التقرير المعنون بـ”دينامية الهجرة في حوض الأطلسي: دراسة حالة المغرب ونيجيريا”، أن الهجرة الدولية بين المغاربة لا تزال ظاهرة ذكورية بامتياز (68.3 %)، على الرغم من أن النساء يهاجرن بشكل متزايد لعدة أسباب تتراوح بين الدوافع الاقتصادية والتعليم ولم شمل الأسرة, وعلى الخصوص بين من تتراوح أعمارهم بين الـ30 إلى الـ39 عاما (34.4%).
وسجل التقرير الذي أعده مركز البحث الأمريكي “المجلس الأطلسي” بشراكة مع “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد”، أن الأسباب الاقتصادية لا تزال هي الدافع الرئيسي للمغاربة الباحثين عن الإقامة في الخارج (53.7 %)، تليها التعليم أو متابعة الدراسة (24.8%)، ثم لم شمل الأسرة أو الزواج (20.9%).
وأوضح المصدر ذاته، أن المغاربة يظلون مرتبطين ومخلصين للبلدان المضيفة التقليدية في أوروبا، خاصة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، لكونها أكثر جاذبية بالنسبة للمهاجرين المغاربة، وفق ما أفادت به نتائج دراسة رسمية أنجزت في الموضوع.
فيما قالت الدراسة التي تلقي الضوء على القواسم المشتركة والاختلافات في تجارب الهجرة والتحديات والفرص للمهاجرين النيجيريين والمغاربة، إن أوروبا تبقى هي الوجهة المفضلة للمهاجرين الحاليين و المحتملين ( 80 %)، تليها دول أمريكا الشمالية (8.8 %)، و الدول العربية ( 2.8 %.).
وأوضحت أن “المهاجرين المغاربة يفضلون الوجهات ذات الإمكانات الصناعية والمراكز الاقتصادية الكبيرة مثل الدول الأوربية، كما يميلون إلى السفر لمسافات قصيرة، خاصة إلى فرنسا وإسبانيا بسبب قربهما الجغرافي من المغرب”، فيما أشارت إلى أن “إسبانيا لا تزال وجهة جذابة على الرغم من حاجز اللغة”.
وأكد التقرير، أن عوامل أخرى تفسر هذا التفضيل على غرار العوامل التاريخية، وسياسات الهجرة في هذه الدول، القائمة على جذب عمال ذوي مهارات متدنية في قطاعات مثل البناء والزراعة.
من جهة أخرى استعرض التقرير، التحديات التي يواجهها المهاجرون المغاربة في أوروبا من خلال دراسة حالة فرنسا، وقال إن الموجات الأولى منهم وصلت إلى هذا البلد بعد عام 1945، بدافع العمل مؤقتا، والعودة إلى بلدهم بمجرد انتهاء عقود عملهم.
و مع ذلك، – يفيد التقرير- قرر العديد من هؤلاء المهاجرين البقاء في فرنسا، حيث تمكنوا من إحضار أسرهم والاستفادة من سياسات الحماية الاجتماعية ولم شمل الأسر.
وبحسب الوثيقة ذاتها، فالمهاجرين المنحدرين من دول المغرب العربي في فرنسا، أقل اندماجا في سوق العمل من بين جميع المهاجرين، وأحال التقرير، على دراسة أجراها معهدان فرنسيان، أكدت “وجود تمييز كبير في سوق العمل الفرنسي ضد المرشحين ذوي الهوية المغاربية”.
ووفقا للتقرير، فالمغاربة يواجهون تحديات على هذا المستوى بسبب وضعهم كمهاجرين، وخلفياتهم الثقافية وهويتهم الدينية أو العرقية، إذ تخلق هذه العوامل المتقاطعة حواجز أمام التوظيف.
وإلى ذلك، أفاد التقرير، بأن معدل تشغيل المهاجرين المغاربة بلغ 59.4 %، وهو معدل قريب من المتوسط بالنسبة للمهاجرين الأفارقة، وأعلى قليلا من معدل تشغيل الجزائريين. فيما لاحظ، أن المغربيات المهاجرات لديهم أقل معدل مشاركة (48 %) في سوق العمل، بعد المرأة التركية (31 %).
وفيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية للاندماج، سجل التقرير أن “الوصول إلى السكن اللائق يشكل تحديًا للأفراد ذوي الخلفيات المهاجرة في فرنسا، رغم أن القانون يمنع على ملاك السكن رفض المستأجر على أساس أصله العرقي أو عمره أو جنسه أو ميوله الجنسية أو أي معيار آخر”.
بل، وحتى إذا كان بعض الشباب المغاربة، يجلبون معهم حصة من التميز الأفريقي إلى فرنسا، كما يتضح من مستويات الوصول إلى المدرسة البوليتكنيكية، وهي واحدة من أفضل الجامعات الفرنسية، فإن التقرير يشير إلى الصعوبات الطويلة الأمد و المستمرة التي يواجهها المهاجرون المغاربة بفرنسا في العديد من الجوانب.
و مقابل ذلك، أشار التقرير إلى بعض الممارسات الناجحة في بلدان أخرى في حوض المحيط الأطلسي، على “غرار التجربتين الأمريكية والكندية، اللتين أثبتتا أن لديهما نموذجا فعالا لإدماج المهاجرين”.
وأوضحت دراسة الحالة التي قدمتها خبيرة العلاقات الدولية أمل الوصاف، أن أقل من 10% فقط، من المهاجرين المغاربة يتوجهون إلى الولايات المتحدة على الرغم من العلاقات الراسخة والديناميكية بين البلدين، وذلك لأنهم يعطون الأولوية لأوروبا، وخاصة فرنسا.
وخلص التقرير الذي خص نيجيريا والمغرب بالدراسة، لأنهما من بين أكثر الاقتصادات ديناميكية، وأكثر البلدان استقرارا في أفريقيا، إلى التأكيد على أهمية الانخراط في نهج شامل يأخذ في الاعتبار الجوانب المختلفة لنموذج الاندماج الناجح، دون أن يكون الهدف من ذلك هو محو الخصائص الثقافية للبلد الأصلي تماما.
ومن خلال تحليل “عوامل الدفع والجذب” التي تؤثر على الهجرة المغربية إلى فرنسا وإسبانيا، إلى جانب الهجرة النيجيرية إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا، فإن التقرير يهدف إلى تقديم فهم دقيق لديناميكيات الهجرة داخل حوض المحيط الأطلسي.
كما يكشف التحليل، أن بلدان المنشأ والمقصد لم تتمكن بعد من استغلال الإمكانات الاستراتيجية لهذه الجاليات في العولمة بشكل كامل.