ثـــقــة تــيــفي
تحت عنوان “طريق المغرب الطويل نحو التحول الاقتصادي” سلط تقرير جديد لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الضوء على تميز مسار المغرب في ربع القرن الماضي ببرنامج تحديث طموح، واستدامة أكبر، ودخول سلاسل القيمة العالمية، على الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح تقرير مؤسسة كارنيغي، ومقرها واشنطن، في تقييمه للمسار الاقتصادي للمغرب، بأن البلاد حققت تقدما اقتصاديا واجتماعيا كبيرا على مدى ربع القرن الماضي. مشيرا إلى أن الجمع البارع بين الإصلاحات في جانب العرض وجانب الطلب، ساعد البلد على التغلب على العديد من الأزمات والصدمات.
وتناول التقرير الكيفية التي قامت بها قيادة الملك محمد السادس بتحديث اقتصاد المغرب، وتعزيز قدرته التنافسية العالمية، وتحسين حياة مواطنيه بشكل كبير.
++ رغم العقبات
على وجه الخصوص، كان على البلاد أن تجتاز سلسلة من الصدمات الخارجية، من الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى أزمة ديون اليورو في الفترة 2010-2011، وكل ذلك في الوقت الذي تتصارع فيه مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة في الداخل.
على الرغم من هذه العقبات، خطا المغرب خطوات كبيرة في مجالات رئيسية مثل تطوير البنية التحتية والتنويع الصناعي والاستدامة.
إن موقع المملكة الاستراتيجي على مفترق طرق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط قد وضعها كبوابة محتملة للتجارة والاستثمار.
تقدم مؤسسة كارنيغي، في تقريرها الشامل الذي نشر في 20 سبتمبر الجاري، تحليلا معمقا للرحلة الاقتصادية للمغرب على مدى السنوات الـ 25 الماضية.
ويسلط التقرير الضوء على إنجازات البلاد وتحدياتها وآفاقها المستقبلية، ويقدم رؤى قيمة حول الديناميات المعقدة التي تشكل تطورها.
++ سلاسل القيمة العالمية
وفقا لتحليل كارنيغي، حقق المغرب تقدما كبيرا في مجال التنمية البشرية منذ عام 1999.
ويسلط التقرير الضوء على أن “أرقام الأمم المتحدة تشير إلى أنه بين عامي 1998 و 2023، ارتفع متوسط العمر المتوقع بمقدار تسع سنوات، ليصل إلى حوالي خمسة وسبعين عاما، وتضاعف دخل الفرد من حيث المعدل حسب التضخم، وتضاعفت سنوات الدراسة المتوقعة تقريبا، من 8.1 إلى 14.6”.
كان أحد الركائز الأساسية للاستراتيجية الاقتصادية للمغرب هو اندماجه الناجح في سلاسل القيمة العالمية.
ويشير التقرير إلى أنه “من خلال الاستفادة من البنية التحتية ذات المستوى العالمي مثل ميناء طنجة المتوسط، نجحت المملكة في إدخال نفسها في سلاسل القيمة العالمية واستفادت من هذا الإدراج على أفضل وجه من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبناء صناعة قائمة على التصدير”.
وقد سمح هذا النهج للمغرب بالظهور كمنتج ومصدر رائد للسيارات في أفريقيا.
وبالتوازي مع ذلك، بدأ المغرب تحولا نحو مزيد من الاستدامة، ووضع أهدافا طموحة للطاقة المتجددة والحفاظ على المياه.
ويؤكد تقرير كارنيغي على هدف المملكة المتمثل في تحقيق حصة 52 في المائة من مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بحلول عام 2030 وإطلاقها الخطة الوطنية لإدارة المياه 2020-2050 التي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار
وفي حين يظل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك اقتصادي للمغرب، يسلط التقرير الضوء على جهود المملكة لتنويع شراكاتها الاقتصادية الخارجية، لا سيما من خلال زيادة المشاركة مع أفريقيا جنوب الصحراء.
أصبح المغرب ثاني أكبر مستثمر في القارة بعد جنوب إفريقيا. كما يصف التقرير المملكة بأنها “رابط عالمي”، تتنقل ببراعة في مشهد جيوسياسي متعدد الأقطاب بشكل متزايد.
++ ثغرات في جدول أعمال التنمية
يقف تحليل كارنيغي، على التحديات الاجتماعية المستمرة التي تواجه المغرب، مع قفزة في الفقر، وارتفاع في البطالة، وزيادة مطردة في الخمول.
وعلاوة على ذلك، قال التقرير، “كشف زلزال عام 2023 في منطقة الحوز في جبال الأطلس عن ثغرات في جدول أعمال التنمية”.
ويشير التقرير إلى قضايا مثل التفاوتات الإقليمية المستمرة، وفجوة الدخل بين المناطق الحضرية والريفية، وارتفاع العمالة غير الرسمية، وبطالة الشباب، وانخفاض مشاركة المرأة في العمل.
وقال التقرير، إن هذه القضايا تعكس التأثير المثبط للاقتصاد غير الرسمي، الذي يمثل ثلثي الوظائف، على إنتاجية العمل والنمو، كما أنها تنبع من بطء وتيرة التحول الهيكلي في الاقتصاد الرسمي واعتماده المستمر على الزراعة، التي لا تزال توظف ثلث القوى العاملة في البلاد.
وباستثناء المحاصيل التجارية، لا تزال الزراعة تعتمد اعتمادا كبيرا على الظروف الجوية، مما يجعل الغلة غير متسقة وغير قادرة على زيادة إنتاجية القطاع.
++ فجوات هيكلية
ولمواجهة هذه التحديات، يشير التقرير إلى أن المغرب أطلق نموذجا تنمويا جديدا وحزمة إصلاحات شاملة للحماية الاجتماعية.
غير أنه يشدد على أنه “لا تزال هناك فجوات هيكلية من حيث الحوكمة والتمويل” ويشدد على ضرورة إيجاد حيز مالي إضافي لضمان استدامة نظام الحماية الاجتماعية وتوسيعه في المستقبل على المدى الطويل.
ووجه التقرير إلى أنه بعد الانتقال من اقتصاد منخفض الدخل إلى اقتصاد متوسط الدخل، يجب على المملكة الآن التركيز على التحول الهيكلي. مشيرا إلى أن خلق المزيد من فرص العمل، وخاصة للنساء والشباب، أمر حتمي، وكذلك تضييق الفوارق الاجتماعية والمكانية.
++ فخ الدخل المتوسط
وعلى غرار البلدان الأخرى، يواجه المغرب الآن فخ الدخل المتوسط، حيث يجب أن يعالج نموذج النمو القائم على التصدير المنافسة من البلدان ذات الدخل المنخفض في الصناعات كثيفة العمالة، وكذلك من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع في القطاعات القائمة على التكنولوجيا.
وللإفلات من هذا الفخ والحفاظ على الانتقال إلى وضع الدخل المرتفع، قال كارنيغي “تحتاج البلاد إلى زيادة الاستثمار في رأس المال البشري واستكشاف محركات جديدة للنمو يتجاوز التصنيع، مثل الخدمات كثيفة المعرفة”.
وعلى جانب العرض، يعوق التقدم في هذه القضية تدني جودة التعليم: فقد حقق 18 في المائة فقط من الطلاب المغاربة كفاءة المستوى 2 على الأقل في اختبارات برنامج تقييم الطلاب الدوليين في الرياضيات، مقابل متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 69 في المائة.
++ رأسمالية المحسوبية والرشوة
وعلى جانب الطلب، يعكس انخفاض العمالة الكثيفة المعرفة انتشار السعي إلى تحقيق الريع على الابتكار.
ولتغيير ذلك، يجب على المملكة- بحسب التقرير- أن تتصدى بقوة أكبر لرأسمالية المحسوبية، التي تخنق الكفاءة الاقتصادية، فضلا عن المحسوبية والرشوة، التي تعيق التماسك الاجتماعي.
واعتبر التقرير أن القرار الذي اتخذه مؤخرا مجلس المنافسة بمعاقبة “كارتل المنتجات النفطية” هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب تكثيف الجهود.
ومع ذلك، لتسريع النمو الاقتصادي، ترى المؤسسة البحثية، أن المغرب سيتعين عليه إجراء المزيد من الإصلاحات المؤسسية والاستفادة بشكل أفضل من رأس ماله البشري.
كما يجب أن تخلق الإصلاحات المعنية مجالا متكافئا في المجالات الحيوية مثل الوصول إلى التدريب الجيد والتعليم والتمويل والمشتريات العامة.
ويشير التقرير، إلى أنه في غياب الإصلاحات المالية، يمكن أن يعرض الضبط المالي تمويل الإصلاحات الهيكلية للخطر، ويؤخر الاستثمارات اللازمة لدعم تحول الاقتصاد، يشدد تقرير مؤسسة كارنيغي.
ويختم التقرير تحليله، بأن المخاطر الجيوسياسية تشكل ورقة رابحة أخرى تحتاج إلى إدارتها بعناية، ولا سيما التوترات مع الجزائر بشأن نزاع الصحراء، لتجنب إجهاد الموارد المالية.