ثقة تيفي
كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت الخميس في مجلة “الطبيعة” عن التأثيرات المعقدة لأنماط الدوران الجوي والمحيطي على تقلبات هطول الأمطار في منطقة شمال إفريقيا، مع تركيز خاص على المغرب.
قاد الدراسة فريق بحثي دولي يضم خبراء في المناخ والإحصاء والبيئة، تحت إشراف باحثين مغاربة من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في بنجرير ومديرية الأبحاث وتخطيط المياه في الرباط، بشراكة مع معهد علوم البيانات بجامعة ماستريخت الهولندية.
استندت الدراسة إلى تحليل بيانات أرصاد جوية جُمعت من 20 محطة موزعة جغرافياً عبر التراب المغربي، في الفترة الممتدة من عام 1980 إلى 2015، وذلك بهدف تتبع أنماط تساقط الأمطار ورصد تغيراتها على المدى الزمني.
وأظهرت نتائج التحليل أن المغرب ينقسم مناخياً إلى ثلاث مناطق رئيسية متجانسة من حيث نمط التساقطات: منطقة شمالية تتأثر بالبحر الأبيض المتوسط وتسجل أعلى معدلات الهطول، منطقة الأطلس المتوسط التي تعزز خصائصها الجبلية ظاهرة الرفع التضاريسي، مما يزيد من كمية الأمطار، ثم منطقة جنوبية تتسم بندرة التساقطات نتيجة التأثيرات الصحراوية.
وأكدت الدراسة الدور الحاسم الذي تلعبه التضاريس الجغرافية، مثل سلاسل جبال الريف والأطلس المتوسط والكبير، في تكثيف السحب وتعزيز الهطول المطري، مما ينعكس على التنوع البيئي والاختلافات في القدرة الزراعية بين المناطق الساحلية والجبلية والداخلية.
كما أبرزت الدراسة وجود اختلافات موسمية واضحة في تأثير الظواهر المناخية العالمية، إذ تبين أن ظاهرة النينيو تؤثر بشكل بارز في فصل الشتاء، في حين يسهم تذبذب شمال الأطلسي بشكل أكبر في تقلبات الأمطار خلال الربيع.
ولاحظ الباحثون تحولات بارزة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تمثلت في تزايد التذبذبات المطرية وتراجع انتظامها، ما يعكس تغيرات ديناميكية في أنماط الدوران الجوي وتفاعلات المحيطات.
اعتمدت الدراسة على مجموعة من الأساليب التحليلية المتقدمة، أبرزها الانحدار الخطي المتعدد لتحديد العوامل المؤثرة، وخوارزمية التجميع (K-means) لتصنيف المناطق المناخية، وتحليل الوظيفة المتعامدة التجريبية (EOF) لرصد التغيرات الزمنية في أنماط الهطول.
كما استخدمت تقنية تحليل تماسك المويجة لدراسة العلاقة الديناميكية بين تساقط الأمطار والمؤشرات المناخية العالمية، مثل النينيو، وتذبذب شمال الأطلسي، والتذبذب العقدي للمحيط الهادئ (PDO).
وأوصت الدراسة بضرورة تطوير نماذج مناخية إقليمية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين دقة التنبؤات المناخية.
ودعت إلى تعزيز شبكة محطات الأرصاد الجوية في المغرب عبر تجهيزها بتقنيات حديثة، ودمج نتائج الأبحاث المناخية في السياسات الوطنية المتعلقة بإدارة الموارد المائية والزراعية.
كما شددت على أهمية تبني استراتيجيات متكاملة لمواجهة تحديات التغير المناخي، تشمل تحسين البنية التحتية المائية، وتطوير أنظمة ري ذكية، وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التكيف مع المتغيرات المناخية، بهدف ضمان الأمن الغذائي والمائي في المستقبل.