نشر موقع اندبندنت عربي مقالا للصحفي زايد هدية مراسل الموقع يرثي فيه الشاعر الشاب مصطفى الطرابلسي الذي توقع كارثة فيضان وادي درنة في قصائده وأقام ندوات خاصة للتحذير منها قبيل وقوعها وواكب عبر صفحته على الفايسبوك تطور الكارثة منذ بداية الاعصار ومنسوب مياه الوادي قبل أن يتحطم السد فيجرفه الطوفان مع مدينته. فيما يلي نص المقال.
“درنة انتهت وتريد من يرثيها… عظم الله يا خوي أجرك فيها”، تلك الكلمات العامية الليبية التي لا تحتاج إلى تفسير كانت النبوءة المبكرة للشاعر الليبي مصطفى الطرابلسي، ابن المدينة المنكوبة بالسيول الجارفة، حول مصير مدينته المشؤوم.
النبوءة تبعتها نبوءات أخرى من الطرابلسي، حين كتب قصيدة بالفصحى توقع فيها أن السيول المنجرفة من الأودية ستجلب كارثة على درنة، بل وأعاد نشرها على صفحته بموقع “فيسبوك” قبل يوم واحد من إعلان وفاته جراء الفاجعة.
نبوءات الشاعر الراحل المثيرة للدهشة لم تقف عند هذا الحد، بل كان أحد المنظمين لندوة تحذر من الكارثة التي سيجلبها وادي درنة على المدينة، وكتب عنها منشوراً قال فيه إنها “حالة لا محالة، وعندها لن يجد الجميع سوى الندم على التأخر في منع وقوعها”. كل هذا قبل خمسة أيام فقط من انهيار سدود الوادي.
النبوءة المؤلمة
بالعودة إلى القصيدة الأولى التي يقول مطلعها “درنة انتهت وتريد من يرثيها”، فإن الشاعر أعاد نشر هذا المطلع يوم الثالث من سبتمبر أي قبل طوفان الوادي بثمانية أيام، ولم يكتف بذلك، بل توقع أن تتحقق نبوءته المشؤومة في وقت قريب.
الشاعر الراحل قال حرفياً في منشوره هذا “ترى هل ستكون هذه القصيدة نبوءة صادقة وراء كل حدث تصاب به درنة وذاك من شؤم طالعي وبؤس فألي، أم ستكون لدرنة قصيدتها التي ستكتبها بذاتها ولا أحد يلقيها على منصة الوطن غيرها؟”.
وهذه القصيدة الطويلة اشتهرت كثيراً في ليبيا منذ كتابتها عام 1996، لكنها اشتهرت أكثر بعد تحقق النبوءة المؤلمة، وفيها أبيات أخرى كأنها تصف حال درنة بعد أن دمرتها السيول على رغم أن كاتبها مات قبل أن يعاين مشاهد الدمار الهائل الآن، وتقول هذه الأبيات باللهجة الليبية “جف الشذى وماتت أغضان شجرها/ خلاص انتهت قول السلام عليها/ خسارة كبيرة والربيع خسرها/ مأساة درنة تطول لو نحكيها”.
ناقوس الخطر
قبل يوم واحد من انفجار سدي وادي درنة وتسببهما بطوفان دمر ربع مساحتها ومسح أحياء ومناطق كاملة من الوجود، أعاد مصطفى الطرابلسي نشر قصيدة ثانية كتبها باللغة العربية الفصحى، وصفت المشهد المحزن الذي خلفته السيول، وكأنه رآه قبل أن يحدث بطريقة غريبة ومحيرة.
تقول القصيدة وعنوانها “المطر”، “يفضح الشوارع الرطبة/ والمقاول الغشاش/ والدولة الفاشلة/ يغسل كل شيء/ أجنحة العصافير/ ووبر القطط/ يذكر الفقير/ بسقفه النحيل/ وردائه الهزيل/ يوقظ الأودية/ من تثاؤب الأتربة/ ووسن اليباس/ المطر/ شارة خير/ بشارة رفد/ وناقوس خطر”.
وكان مطر درنة الأحد 11 من سبتمبر كما قال الشاعر الراحل، بمثابة ناقوس خطر لم يلتفت إليه أحد إلا بعد فوات الأوان.
قصائد الطرابلسي المليئة بالتحذير من مصير مؤلم لمدينته بسبب الإهمال وسوء حال الأودية التي يفترض أن تحميها من سيول واديها المرعبة، لم تكن هي الوحيدة التي تنبأ فيها بالكارثة القريبة، بل توقع في منشور له أن “الندم على عدم التحرك لإنقاذ درنة مما سيحل بها بات قريباً، ولكنه لا ينفع بعد فوات الأوان”.
المنشور الذي كتبه الطرابلسي يوم السادس من سبتمبر جاء فيه “من نناشد؟ ولمن نصرخ بالكارثة التي يجزم بحدوثها مهندسو الزراعة وذوو الاختصاص؟ الكارثة التي ستحل بالوادي وتنهي كل شيء، وبعدها لن تجدي البكائيات، ولن نجد إلا أثر صفقات الأيادي ندماً على ما فرطنا في جنب مدينتنا”.
وتابع “أقيمت بالخصوص ندوة في بيت درنة الثقافي عن موضوع الوادي وأخطار الإهمال لم يتجاوز حضورها الـ20 شخصاً. وقال فيها المتخصصون كلاماً خطراً حول الكارثة المرتقبة، ووجهوا تقريراً لكل الحكومات، لكن على ما يبدو لا أحد سيهتم إلا بعد وقوعها”.
رحيل مع الطوفان
في النهاية رحل الشاعر مصطفى الطرابلسي ضمن ضحايا الكارثة التي حذر مراراً من حلولها من دون جدوى، وقد مات شاباً لم يتجاوز عمره 45 سنة، مخلفاً وراءه حزناً كبيراً …، ورثاه كثير من الأدباء والمثقفين بينهم ابن مدينته الشاعر الكاتب سالم العوكلي، الذي ودعه بتدوينة على مواقع التواصل قال فيها، “الشاعر مصطفى الطرابلسي، المعلم الفاضل، ابن القاضي النزيه عبدالعزيز وحفيد الشيخ الورع العلامة مصطفى الطرابلسي، قال رأيه بصراحة وعبر عن الصامتين حين تحول كل المحيط إلى جماد، قيل صمتاً قلت لست بميت، إنما الصمت ميزة للجماد”.