عزيزة الزعلي
قال مصطفى الرميد، المحامي و وزير العدل السابق، إن موضوع الأسرة في غاية الأهمية والحساسية، لأنه يصب فيه الديني والايديولوجي، وتتقاطع فيه الأخلاق مع العادات والثقافات، وتمس كيان الانسان وكيان الأمة.
وأضاف في ندوة نظمتها منظمة التجديد الطلابي مساء أمس الأربعاء، أن المغرب له ميزة تميزه عن باقي البلدان، وهي كونه ليس فقط بلدا إسلاميا، وإنما بلد على رأسه أميرالمؤمنين، الذي من أوجب واجباته حفظ الدين، كما حفظ الوحدة الوطنية واستقرار البلد”.
ولحساسية تعديل مدونة وأهميته وخطورته، يقول الرميد ” فإن الملك يتولاه شخصيا، ويسنّ مسطرة استثنائية للنص القانوني المنظم لها، تختلف عن تلك المتّبعة في إعداد وصياغة باقي التشريعات”.
وأشار الرميد بالجلسة الثانية لفعاليات منتدى القانون والاقتصاد حول موضوع “إصلاح مدونة الأسرة: قراءات متقاطعة”، إلى أن الملك اعتمد، في التعديل الحالي، على لجنة مكونة من ثلاث مؤسسات (المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، لأن هذا الموضوع عادة ما يقع فيه استقطاب بين مكونات المجتمع التي تنقسم في الغالب إلى موقف محافظ، وموقف ينسب إلى الحداثة والتقدمية”.
لذلك، يتابع الرميد، فإن الملك قرر أن يكون ضمن من تستعين بهم اللجنة الثلاثية، المجلس العلمي الأعلى مع ما يمثله من رمزية دينية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان مع يمثله من تعبيرات للرأي الآخر.
وأكد، أن الملك سينظر في نص المدونّة المعدّل، الذي سترفعه اللجنة المكلفة بهذه المهمة بعد إتمام عملها، “ليس بصفته ملكا، بل بصفته أميرا للمؤمنين، قال بصريح العبارة إنه “لا يحرم ما أحل الله، ولن يحل ما حرم الله حلالا”، مضيفا أن الأمور من هذا المنطلق تأخذ سبيلا واضحا، وما ستنتهي إليه أعمال اللجنة، لن يكون إلا معززا للأسرة بكافة مكوناتها”.
واستدرك بالقول “لا يمكن أن أقول لكم اطمئنوا بشكل مطلق، لأن الأمر يتعلق بعمل بشري، قد يكون فيه ما فيه ما يستدعي الملاحظة والتعقيب، ولكن من الناحية المبدئية أنا جد مُطمئن مع كل الحذر اللازم”.
وعاد الرميد ليؤكد، إن الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة، بينت أن حضور الأبعاد القانونية والقضائية، هي التي اقتضت تكليف الثلاثي المؤسساتي بمهمة مراجعة مدونة الأسرة”.
واعتبر، أن هذه المنهجية في التعديل الجاري على مدونة الأسرة “لا تثير كثيرا من المشاكل التي أثيرت في السابق (تعديل المدونة سنة 2003)، والتي كانت مرتبطة بمشروع إدماج المرأة في التنمية (قدم إبان حكومة التناوب) الذي كان ذو أبعاد علمانية مغلقة إلى حد ما”، وفق تعبيره.
وأبدى الوزير السابق أنه “من المفيد التمسك بالمنهج الوسطي وألا نحيد عنه، وأن نعتمد منهج التوافق كمنهج خلاق يُصلح ولا يفسد”.
وأضاف بالقول : “مَن أراد أن يكون في سلك المحافظين الملتزمين فله ذلك، على أن يأخذ ذلك بشكل من الاعتدال، ومن أراد أن يكون حداثيا أو علمانيا فله ذلك، على ألا يذهب بعيدا، لأننا إزاء مجتمع مسلم متشبث بدينه ويريد أن يعيش ضمن القيم الإسلامية السمحة، إضافة إلى أن الأمر يتعلق بنظام دولة لا يسمح بالانفلات الذي يطالب به البعض، كما أن البعض الآخر يتوجس منه”.
واعتبر وزير العدل السابق، أن مشاكل الأسرة المغربية “لا يمكن معالجتها بالقانون فحسب؛ والذي لا بد من تجويده وتحسينه، إلا أن الأسرة تصلح بالأخلاق أكثر مما تصلح بالقوانين، فالزواج يتم بشيء من القانون، ولكن بكثير من الأخلاق، والفراق يكون بالقانون ولكن يجب أن يكون بالأخلاق أكثر”.
ورفض الرميد الدعوة إلى إعطاء الأولوية للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على حساب القوانين الوطنية، مبرزا أن الوثيقة الدستورية نصت على أن الاتفاقيات الدولية ينبغي أن تكون في إطار أحكام الدستور وهوية المملكة.
وأبرز أن اتفاقية فيينا لعام 1969، التي تنظم الممارسة الاتفاقية، تعطي للدول الحق في أن تتحفظ على بنود الاتفاقيات التي ترى أنها لا تتلاءم مع هويتها الوطنية أو بعض معطياتها القومية.
واستعرض الوزير السابق، مقتضيات الفصل 161 من الدستور الذي ينص على أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها وصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال”.
وأورد معلّقا على ما سبق، “من واجب المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يلتزم، أولا، بالمرجعيات الوطنية، ثم المرجعيات الدولية ثانيا، وعندما تجد مجلسا لا يراعي المرجعيات الوطنية، ويهتم فقط بالمرجعيات الدولية، فهو يخرق الدستور ومقومات الأمة وضميرها”.
وأضاف “ينبغي على مؤسسات الدولة أن تأخذ أولا بالمرجعيات الوطنية، ثم ثانيا بالمرجعيات الدولية. ولكن أحيانا يكون هناك تصادم، وهنا ننظر في الأمر، فما ليس فيه تصادم نأخذ به، وما فيه تصادم وتناقض فلا يجوز أن نعتمد فيه المرجعية الدولية على حساب المرجعية الوطنية”.