حقوق الطفل الجنين في التشريع الإسلام**

د. أحمد الريسوني

حقوق الطفل متى تبتدئ؟

اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نونبر سنة 1989 (قبل35عاما) حددت نهاية مرحلة الطفولة بسن الثامنة عشرة، لكنها لم تحدد بدايتها، وإن كان الظاهر أنها عندهم تبتدئ بالولادة. وأما قبل الولادة فليس فيها كلام ولا حقوق للطفل الجنين، حتى ولو كان عمره ثمانية أشهر أو تسعة أشهر!

وقد جاء في المادة السادسة من الاتفاقية المذكورة:” تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة، وتكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.” جيد جدا، ولكن لم يتم تحديد هذا الحق الأصيل في الحياة متى يُستحق؟ ومتى يُعترف به ويُكفل؟

فهل ننتظر من الأمم المتحدة، أو من منظمة اليونيسيف التابعة لها، أن تستدرك هذا النقص وتسد هذه الثغرة؟

إن التطور المتواصل في منظومة حقوق الإنسان يجعل من المأمول، بل من الواجب، إصدار وثيقة جديدة عن “حقوق الطفل ما قبل الولادة”.

وفي انتظار أن نصل إلى هذا الترقي الحقوقي، هذه نبذة مختصرة عن حقوق الطفل الجنين في الإسلام وفي التشريع الإسلامي.

بناء على الأحاديث النبوية وقواعد الشريعة، تقرر عند فقهاء الإسلام ما يلي:

1.الجنين منذ أن تتشكل خِلقته وترتسم ملامحه الأولية، يعتبر إنسانا تاما في شخصيته المعنوية، ولو أنه ما زال مرتبطا بأمه ارتباطا لا غنى له عنه من الناحية الجسدية.

.2 بناء على ذلك وتجسيدا له، فإن هذا “الإنسان/ الجنين” يجب له كل ما في الإمكان من الرعاية والصيانة، وخاصة لحياته. ولا يجوز في حقه أي شكل من أشكال الأذى والتعدي على حياته وسلامته.

.3 وتأكيدا لذلك وبناء عليه، فإن إسقاطه، أو التسبب العمدي في إسقاطه، يستوجب الدية والكفارة1على من فعل ذلك، ولو كان هو الأب أو الأم. قال الفقيه المالكي الشيخ خليل المصري في مختصره: “وفي الجنين وإن علقةُ عشر أمه (أي: ديته عُشر ديتها)، قال النفراوي في(الفواكه الدواني) : “والمعنى: أن كل من تسبب في إنزال جنين من بطن أمه، ونزل غير مستهل  كما قدمنا، فإنه يلزمه لمن يرثه عشر واجب أمه”.

4. تحريم الإجهاض عمدا. وهذا التحريم يبدأ في المذهب المالكي منذ بداية الحمل. ولكن جمهور الفقهاء يقولون بالتحريم بعد إتمام الجنين أربعين يوما، ويرخصون فيما قبلها عند وجود حرج ومشقة. وسندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها4 وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكـر أم أنثى؟ ويقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجُله؟ فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك. ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك. ثم يخرُج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ” – الحديث في صحيح مسلم.

5. يشتد تحريم الإجهاض -وبالإجماع- بعد إتمام الجنين أربعةُ أشهر، حيث تنفخ فيه الروح كما جاء في الحديث الصحيح، فيصبح إسقاطه عمدا جريمة قتل مكتملة الأركان. ولا يجوز الإجهاض بعد تمام الأربعة أشهر إلا في حالة واحدة هي: أن يكون في بقاء الجنين خطر محقق على حياة الأم.

6. هذا الطفل الجنيني تتقرر له كذلك الذمة (أي الشخصية الاعتبارية) الماليةُ والأهلية المدنية في مستواها الأول المسمى عند الفقهاء “أهلية الوجوب”، أي يجب له، دون أن يجب عليه. قال سعد الدين التفتازاني في (التلويح): “الجنين قبل الانفصال عن الأم جزء منها من جهة أنه ينتقل بانتقالها ويـقـر بقرارها، ومستقل بنفسه من جهة التفرد بالحياة، والتهيؤ للانفصال، فيكون له ذمة من وجهة حتى يصل وجوب الحقوق له، كالإرث والوصية والنسب، لا لوجوبها عليه. حتى لو اشترى الولي له شيئا لا يجب عليه الثمن. وأما بعد الانفصال عن الأم فتصير ذمته مطلقة لصيرورته نفسا مستقلة من كل وجه، فيصير أهلا للوجوب له وعليه”.

7. ومن هذا القبيل أن الجنين له حق الإرث كسائر الورثة، فتتوقف قسمة التركة إلى حين ولادته، ليتحدد نصيبه ويحفظ له وباسمه حتى يبلغ الرشد.


8. وفي زكاة الفطر يستحب احتسابه مع الأشخاص المزكَّى عنهم، وخاصة إذا كان قد أتم أربعة أشهر. وبهذا وبالذي قبله، يصبح الجنين أحد أفراد الأسرة الفعليين.

ومن روائع التقدم التكنولوجي الطبي أن الناس اليوم أصبحوا يشاهدون جنينهم وحركاته، ويعرفون ملامحه، ويسمعون نبضات قلبه، بل يحتفظون بصوره، ويأنسون به، وهو في رحم أمه.

9. والجنين إذا سقط أو أسقط، وكان قد أتم أربعة أشهر، يغَّسَّل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في المقبرة، كسائر الموتى الكبار، لما روىُ الأئمة أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ِوالسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة). قال الشيخ ابن عثيمين: “إذا سقط بعد نفخ الروح فيه، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، ويسمى ويعق عنه، لأنه صار آدميا إنسانا، فـيثبت له حكم الكبير”.

10. ومن روائع الفقه الإسلامي أنه سَّوى بين المرضع والحامل في إباحة الإفطار لهما في رمضان، خشية تضرر الرضيع أو الجنين. قال الشيخ عليش في (ِمنح الجليل شرح مختصر خليل): “إذا تحققت أو ظنت الحامل والمرضع ضررا بالصوم على ولديهما: فيجوز فطرهما إن خافتا ضررا يسيرا، ويجب إن خافتا هلاكا أو أذى شديدا “.

فحق الطفل الرضيع، وحق الطفل الجنين، حاضران مرعيان على حد سواء.

المراجع:

+ الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني، لشهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى 1126ه)- الناشر: دار الفكر الطبعة -1415ه-1995م.

+ شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى (793ه) تحقيق: زكرياء عميرات –دار الكتب العلمية بيروت، لبنا – الطبعة الأولى 1416ه-1989م.

منح الجليل شرح على مختصر خليل للشيخ محمد عليش – نشر دار الفكر بيروت-ه1409-1989م

** هذه الدراسة توصلت “ثقة تيفي” بنسخة منها في صيغة (Pdf) فقامت بإعدادها للنشر كي تعم فائدتها، خاصة وأنها تثير موضوعا خاصا قليلا ما تم التوقف عنده.

أضف تعليقك

Leave A Reply

Exit mobile version