رحلات الحج في الشعر الأمازيغي

عبد الله العسري

يتميز الشعر الأمازيغي باهتمامه البالغ بالجانب الديني إسهاما منه بالوعي الديني في صفوف أبناء الجبال والسهول بالجنوب المغربي، ومن تم لم يترك الشعراء الأمازيغ جانبا من حياة الإنسان إلا وتطرقوا إليه بإسهاب ومن ذلك أركان الإسلام الخمسة التي ركز عليها هؤلاء الشعراء مساهمة منهم في الفكر الدعوي في صفوف الذين لا يتقنون اللغة العربية.

وللحج مكانة مهمة لدى الأمازيغ إذ تتنافس عليه العائلات حتى أن بعضهم يسمون بكنية الحج، فنجد مثلا : أيت الحاج، إدلحاج، والبعض الآخر تجده يدعو بالحج لمن أسدى إليه معروفا.

مكانة الحج في الشعر الأمازيغي

إن المتتبع لمسيرة فن شعراء الأمازيغ يلاحظ أن جل الذين حجوا بيت الله الحرام تغنوا بهذا الحدث ووصفوه كل حسب درجة إعجابه بهذا المقام، فالشاعر الحاج عمر واهروش رحمه الله شد الرحال إلى الديار المقدسة سنة 1968 لأداء فريضة الحج ووصف لنا كيفية قضاء مناسك الحج قائلا في مستهل قصيدته :

ونا ءيران لحيج ءاسناس ءيزضار ءيزعم نيتي / من قصد الحج متى استطاع إليه فليتشجع

ءيخلص لواجيباتنس ءيخلص ؤلا دينسي / يؤدي أولا واجباته ويسدد ديونه

ءيمصيفيض د لواليداين نس ؤلا ءادجار نسي / ويودع والديه وجيرانه

ءيوا مسكين ؤر ءيسين ءيس راد وورين / لأنه لا يدري هل سيعود

نغد ءيس ران ءيمت غين ؤر سول ءيزري ياني / أم سيوفى أجله هناك

ءاراسد تاكين ءيمطاون غ والن بلا راني / فتفيض عيناه بالدموع بلا شعور

أما الشاعر الحاج محمد أوتاولوكولت رحمه الله فيقول هو الآخر في مقدمة قصيدته حول الحج :

لحيج وناتن ءيران لابد ءاسن يوجاد / من نوى الحج لابد أن يستعد له

ءادارسن تيلي صاحت ءاتن ؤر ءيفل وافود / أن يكون موفور الصحة ليقوى على الشعائر

وهناك من الشعراء من جعل الحج أمنية عمره حيث لا يهمه حضور الموت بعد ذلك، إذ يرجو من الله تعالى أن يمد في عمره إلى أن يزور بيت الله الحرام وهذا ما نجده لدى الشاعر الحاج محمد الدمسيري رحمه الله لما قال في مطلع قصيدته عن الحج :

ءاغايد ءاترجوغ ءيقضاييت ربي غيلادي / أمنية عمري قضاها لي ربي

نتوقف اليوم عند الشاعر الحاج المهدي بن مبارك رحمة الله عليه في وصفه لموسم الحج ومراحل قضاء هذه الفريضة، والشاعر كما عهدناه لم يترك غرضا من الأغراض الشعرية إلا وكان فيه بارعا، فكانت قصيدته المشهورة عن “الحج” مرجعا عند عامة الناس إذ استطاع أن يحفزهم ويذكرهم بهذه الفريضة ويشجعهم عليها كي لا تكون منسية عند من استطاع إلى ذلك سبيلا، وقصيدة الحج عند المهدي بن مبارك رحمه الله تضم 128 بيتا شعريا قسمها الشاعر إلى ثلاث محاور أساسية :

حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا …

تتميز قصيدة الحج للشاعر المهدي بن مبارك رحمه الله بوصف دقيق لفضائل هذه الفريضة وجمال تلك الديار المقدسة، ولذلك أسهب الشاعر في حث الناس على الإسراع بهذه الفريضة متى استطاع المرء إلى ذلك سبيلا لكونها تعتمد في أدائها أولا على صحة البدن كما جاء في مستهل القصيدة :

وفي سياق آخر، دعا الشاعر أصحاب الأموال إلى أن يبادروا بسرعة لقضاء فريضتهم وألا يتغافلوا عنها لأن الشيطان الرجيم يسعى دوما ليفتن عباد الله ويحول بينهم وبين زيارة هذا المقام الذي جمعت فيه العديد من الفضائل ومن ثم يقول شاعرنا:

ويعود المهدي ليطمئن عامة الناس على أن الحج في نهاية الأمر لا يتوقف أساسا على المال وحده وإنما أولا على إرادة الله سبحانه وتعالى وتيسيره، وساق لنا الشاعر أمثلة كثيرة عاينها تؤكد أن هذه الفريضة لا يتوقف قضاؤها على المال وحده إذ كم من راجل شق طريق الحج وتحمل مشاق الطريق ومخاطر غاباتها فوصل في أمان وكم من ذوي الاحتياجات الخاصة كتب لهم زيارة ذلك المقام وكم من فقير أنعم الله عليه ففاز بهذه الشعيرة، بالمقابل كم من ميسور لم يكتب له أن يحج وهذا ما تظهره هذه الأبيات التالية:

احتياطات الحاج قبل الوصول

يبدأ المهدي بن مبارك مسيرة الحج بنقطة الانطلاق محذرا الحجاج من البكاء لدى توديعهم لأحبابهم إذ الموقف – يقول المهدي- يستوجب الفرح والطمأنينة فالأمور كلها اليوم أضحت ميسرة بوجود الطائرة التي شبهها الشاعر بفندق رائع يستقبل فيه الحاج بالترحاب وتقدم له الواجبات كل حين، فلا مجال للحزن والخوف.

وواصل المهدي رحمه الله في وصفه لما يبصره في الجو وهو بداخل الطائرة قائلا بأنه يبعد عن الأرض بثمان كيلومترات ولا يرى سوى جبال من الضباب و الغيوم، وبعد أن حطت الطائرة بجدة زادت فرحة شاعرنا ومنها توجه إلى المدينة المنورة …وفي ذلك يقول :

في رحاب المدينة المنورة …

لم يتمالك المهدي نفسه وهو يصلي بجانب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث غاب عنه الجوع والنوم بل نادى الموت أن ينزع روحه وهو بجوار قبر الرسول الأكرم الذي اعتبره جنة ولجها في الدنيا، وبجانب قبر النبي عليه الصلاة والسلام يوجد قبري أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وذلك ما سنتابعه ضمن الأبيات التالية :

ءاغار نكشمن لمدينة نتغاشا ياكي / وما أن وصلنا المدينة حتى بدا الانفراج

س لكرام د لفرح ءيكوتن لي غين ءيلاني / بالكرم والفرح اللذان عما ذاك المكان

ءيلما نزور نابي ءيمونا غاك لغرضي / ثم زرنا النبي محمد فاكتمل قصدنا

وأذن في الناس بالحج…

ويمضي الشاعر بذكر فضائل العديد من الأماكن المقدسة كالبقيع وجبل أحد مفسرا أركان الحج ومبطلاته بتفصيل دقيق حتى لا يكون الحاج على بينة من أمره وطفر بحج مبرور …وفي ذلك يقول :

ومن يعظم شعائر الله …

ويحث الشاعر الحجاج على ضرورة السعي بين الصفا والمروة وإن كان عاجزا على ذلك فعلبه اكتراء عربة تُقله لأداء هذا المنسك، وذلك درءا لكل ذنب محتمل، ثم يواصل الحاج مناسكه بكل تركيز حتى يتمها بسلام، وذلك ما يوصي عليه شاعرنا في قوله :

أضف تعليقك

Leave A Reply

Exit mobile version