تعيش روسيا الأحد يوم حداد وطني بعد المجزرة التي وقعت في قاعة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو، في هجوم هو الأكثر حصدا للأرواح في البلاد منذ حوالى عقدين والأكثر فتكا في أوروبا وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، منذ هجمات 13 نوفمبر 2015 في باريس.
واقتحم أفراد قاعة كروكوس سيتي هول مساء الجمعة، قبل أن يفتحوا النار من أسلحة رشاشة على الأشخاص الذين أتوا لحضور حفلة لفرقة بيكنيك، ويشعلوا حريقا بقنابل حارقة، وفق المحققين، ما أسفر عن مقتل 133 شخصا على الأقل في حصيلة يتوقع أن ترتفع.
ودان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة متلفزة السبت “العمل الإرهابي الهمجي” متوعدا معاقبة المسؤولين عنه. وأعلن أنه تم توقيف “منفذيه الأربعة فيما كانوا يتج ون نحو أوكرانيا” من دون ذكر تبني تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم.
وكانت لجنة التحقيق الروسية أعلنت في وقت سابق توقيف 11 شخصا، بينهم المهاجمون الأربعة الذين نفذوا الهجوم، في منطقة بريانسك الواقعة عند الحدود مع أوكرانيا وبيلاروس.
في الأثناء، تتواصل عمليات البحث في أنقاض المبنى الذي دمرته النيران وانهار سقفه جزئيا باستخدام معدات ثقيلة، في مهمة قد تستغرق أياما.
داعش ينشر فيديو الجريمة
ونفذ تنظيم داعش الذي تحاربه روسيا في سوريا والذي ينشط أيضا في القوقاز، هجمات على الأراضي الروسية منذ نهاية العام 2010، لكنه لم يتبن أي هجوم بهذا الحجم في البلاد.
وأعلن التنظيم في بيان على تلغرام أن مقاتليه “هاجموا تجم عا كبيرا (…) في محيط العاصمة الروسية موسكو”، زاعما أن مقاتليه “انسحبوا إلى قواعدهم بسلام”.
نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي عادة ما يستخدمها تنظيم داعش، شريط فيديو صوره على ما يبدو منفذو الهجوم، وفق ما أفاد موقع “سايت” المتخصص في رصد المواقع الارهابية.
ويظهر الفيديو البالغة مدته دقيقة و31 ثانية عددا من الأفراد الذين بدت وجوههم غير واضحة وأصواتهم مشو شة، وهم يحملون بنادق هجومية وسكاكين، داخل ما بدا أنه بهو قاعة الحفلات الموسيقية “كروكوس سيتي هول” في كراسنوغورسك في شمال غرب العاصمة الروسية.
وبينما كان المهاجمون يطلقون رشقات نارية عدة، شوهد عدد من الجثث أرضا، وأمكن رؤية حريق يندلع في الخلفية. وظهر شريط الفيديو هذا على حساب في تلغرام قال موقع “سايت” إنه يعود إلى وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم داعش.
ورغم ذلك، لم يوجه فلاديمير بوتين ولا جهاز الأمن الفدرالي أي اتهام إلى التنظيم.
اتهامات لأكرانيا
وأكد جهاز الأمن الفدرالي السبت أن المشتبه بهم كانت لديهم “جهات اتصال” في أوكرانيا إلى حيث كانوا يعتزمون الفرار من دون تقديم أي دليل على هذه الصلات المفترضة التي لم تحدد طبيعتها.
وقال المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك على منصة “إكس” إن “الروايات التي تقد مها الأجهزة الخاصة الروسية في ما يتعلق بأوكرانيا غير مقبولة وسخيفة” مؤك دا أن “أوكرانيا ليست لديها أدنى صلة بالحادث”.
ورغم تبني داعش الهجوم، يبقى هناك العديد من الأسئلة التي ينبغي الإجابة عليها.
وبحسب وسائل إعلام روسية والنائب ألكسندر خينستين، فإن بعض المشتبه بهم من طاجيكستان. وأوضحت سلطات طاجيكستان الواقعة في آسيا الوسطى أنها “لم تتلق تأكيدات من السلطات الروسية بشأن المعلومات الكاذبة المتداولة حاليا حول ضلوع مواطنين” من طاجيكستان في الهجوم.
استجواب على الهواء
بث التلفزيون الروسي السبت مشاهد لاستجواب أربعة اشخاص أوقفوا بعد الاشتباه بتنفيذهم الهجوم على قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو.
وأظهرت مشاهد بثتها القناة العامة “بيرفي كانال” المشتبه بهم أثناء اقتيادهم على يد عناصر قوات أمن مسلحين، ووجوه ثلاثة منهم ملطخة بالدم.
وبدا مشتبه به مع ضمادة كبيرة ملفوفة حول رأسه وآثار دماء على مستوى الأذن.
في مشاهد بثت حول الاستجوابات، يقر اثنان من المشتبه بهم بالذنب وقد قال أحدهم إنه نفذ الهجوم لقاء مبلغ مالي.
وفق وسائل إعلام روسية والنائب ألكسندر خينستين، يتحدر بعض من المشتبه بهم من طاجيكستان، الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى والمجاورة لأفغانستان حيث ينشط تنظيم داعش الذي تبنى هجوم موسكو.
ولم تتطرق سلطات التحقيق إلى جنسيات المشتبه بهم، واكتفت بالإشارة إلى أنهم ليسوا روسا.
وبثت قناة بيرفي كانال أيضا مقتطفات من استجواب للرجل ذي الضمادة الملطخة بالدم على مستوى الأذن، من دون الإتيان على ذكر تسجيل آخر يتم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي وتعذر على وكالة فرانس برس التثبت من صح ته، يبدو فيه رجل شعره أسود ويرتدي قميص تي-شيرت بنيا مثبتا أرضا فاقدا جزءا من أذنه.
بعد ذلك يحاول شخص إدخال الجزء المقطوع من الأذن في فم الرجل بالقوة ويوجه له لكمة على وجنته.
ولم يأت أحد في تسجيلات الفيديو على ذكر أوكرانيا أو تنظيم داعش.
وفق بيرفي كانال، تم توقيف الرجال الأربعة في قرية خاتسوني في منطقة بريانسك.
هجمات منذ 1999
سبق أن استهدفت هجمات العاصمة الروسية في السنوات الـ25 الأخيرة.
أدى هجوم بمتفجرات في ساعة مبكرة من 13 سبتمبر 1999 على مبنى سكني من ثمانية طوابق في جنوب شرق موسكو إلى مقتل 118 شخصا.
كان ذلك أحد خمسة هجمات على مبان سكنية أودت ب293 شخصا في المجموع خلال فترة أسبوعين في موسكو وجنوب روسيا.
واتهمت موسكو انفصاليين “إرهابيين” من جمهورية الشيشان ذات الغالبية المسلمة في شمال القوقاز، بالوقوف وراء الهجمات.
واستخدم الرئيس فلاديمير بوتين الهجمات لتبرير شن حملة عسكرية لسحق تمرد انفصالي في الشيشان.
استمرت المواجهة مع قوات الأمن يومين وثلاث ليال.
انتهت أزمة احتجاز الرهائن بعد أن ضخت قوات الأمن الغاز في المسرح للسيطرة على المهاجمين قبل اقتحامه. قضى 130 من الرهائن، غالبيتهم جراء تنشق الغاز.
وكان نحو 20 ألف شخص حضروا للاستماع لعدد من كبرى الفرق الموسيقية الروسية في مهرجان كريالا (أجنحة) السنوي.
قتل 40 شخصا في الهجومين اللذين استهدف أحدهما محطة لوبيانكا القريبة من مقر جهاز الأمن الفدرالي (إف إس بي).
وكانت المهاجمتان من منطقة داغستان الواقعة شمال القوقاز.
تبنت الهجوم مجموعة “إمارة القوقاز” من المتمردين الشيشان بزعامة دوكو عمروف، التي أعلنت المسؤولية عن الهجوم.
بتصرف عن (أ ف ب)